مقال رأي بمناسبة اليوم الدولي للتعليم


السيد عبد الله المنصوري المدير التنفيذي لمركز قطر للتطوير المهني

أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 24 يناير من كل عام يومًا دوليًا للتعليم ليحتفي العالم بأسره بكافة مكونات العملية التعليمية. وعمدت دولة قطر هذا العام، ممثلة في وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، للاحتفال بذلك اليوم تحت شعار: “التّعليم مسؤوليّة الجميع”، بهدف إلهام الجهات العامّة والخاصّة وأفراد المجتمع للاضطلاع بدورٍ نشط في دعم مستوى التعليم والارتقاء به في البلاد. إذ يوفر هذا اليوم والفعاليات المصاحبة له الفرصة للأسر والطلبة والجهات المتنوعة للالتقاء معًا والعمل سويًا على تعزيز أداء الطلبة وتجربتهم التعليمية ومخرجاتها لتحسين جودة التّعليم واستفادة أبنائنا منه.

واختيار شعار “التعليم مسؤولية الجميع” للاحتفال باليوم الدولي للتعليم لهو اختيار موفق بالفعل من جانب وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، فالتعليم ليس مسؤولية مؤسسات التعليم والأسر وحدها ولا يقتصر على المقاعد الدراسية فحسب، بل هو عملية مجتمعية مشتركة تقتضي تضافر الجهود من الجميع أفرادًا ومؤسسات على كافة المستويات، ومنافعها بالتأكيد تعود على الجميع؛ حيث إن رأس المال البشري الرافد الأساسي للتنمية المستدامة في البلاد. وكمركز متخصص في التوجيه والتطوير المهني نشاطر الوزارة والدولة هذه الرؤية، ونضطلع بدورنا في هذه المسؤولية عبر ما نقوم به من تنظيم الأنشطة والفعاليات وورش العمل والبرامج التدريبية المتنوعة على مدار العام لتثقيف أولياء الأمور من أجل مساعدة أبنائهم على اتخاذ قرارات مهنية سليمة قائمة على معلومات موثوقة وتتناسب مع ميول الأبناء الفطرية ومهاراتهم وتطلعاتهم، دون أن تعكس توجهات أولياء الأمور أنفسهم.

ولأن العملية التعليمية والمسارات المهنية للطلبة عمليتان متكاملتان لا تنفصل إحداهما عن الأخرى، نجد دور أولياء الأمور أيضًا لا يقتصر على دعم التعليم أو تقديم المشورة المهنية. فإشراك أولياء الأمور في العملية التعليمية ضرورة نظرًا للدور الذي يلعبونه في رعاية إمكانات أبنائهم التعليمية ونموهم؛ ولا يخفى علينا في مركز قطر للتطوير المهني الأهمية البالغة لدورهم في عملية التوجيه المهني لأبنائهم، وخاصة في السنوات التكوينية، أي المبكرة، من حياتهم. فنحن ننظر إلى أولياء الأمور بصفتهم المرشدين المهنيين الأوائل لأبنائهم في البيت، وندرك مدى تأثيرهم في عملية اتخاذ القرار الأكاديمي والمهني.

ويتيح اليوم الدولي للتعليم لنا الفرصة لنخرج هذا الدور عن إطاره المحدود تقليديًا بين أولياء الأمور والطلبة وتفاعلهم مع المدارس، ليشمل أيضًا التنسيق مع سائر الجهات المجتمعية المعنية بإثراء رحلة الطلبة التعليمية، وتهيئة بيئات عمل إيجابية ومرنة وداعمة تلبي متطلباتهم. وذلك يعني أن نشرك سوق العمل وصناع القرار في مختلف المجالات بهذه العملية، بهدف سد الفجوة بين مخرجات النظام التعليمي ومتطلبات سوق العمل. وهنا نسلط الضوء على الدور الكبير الذي يقوم به المرشدون الأكاديميون في المدارس عبر توجيه الطلبة لاتخاذ قرارات أكاديمية ومهنية مستنيرة، كونهم من يشرف على هذا الانتقال ويهدفون كما نهدف إلى جعل هذا الانتقال من التعليم إلى سوق العمل عملية سلسة وناجعة تعود بمنفعتها على الطلبة ومجتمعهم. ونظرًا لهذا الدور المحوري، نولي في مركز قطر للتطوير المهني أهمية قصوى لتطوير مهارات المرشدين الأكاديميين والمهنيين، وإمداداهم بالأدوات والمعارف التي تعينهم على القيام بدورهم على أكمل وجه.

ومن فوائد إحياء هذا اليوم أيضًا أنه يتيح الفرصة لانطلاق النقاشات العفوية والمباشرة بين أولياء الأمور وأبنائهم حول مساراتهم التعليمية والمهنية المستقبلية. وتثري الفعاليات المقامة خلاله تلك النقاشات وتفتح أفقًا جديدة قد لا يكون أولياء الأمور أو الطلبة يتطرقون لها في النقاشات الاعتيادية. كما نؤكد باستمرار خلال لقاءاتنا مع أولياء الأمور على أهمية وقوة القدوة، ونشجعهم على تبادل قصص النجاح الشخصية، أو قصصًا ملهمة لشخصيات مجتمعية مع أبنائهم، بما يوسّع الآفاق لإثراء تجاربهم التعليمية وتنوعها. ومن المهم أن نتذكر نحن أيضًا كمؤثرين أن العملية التعليمية وتطويرها يتطلبان نقاشًا مفتوحًا بيننا وبين الطلبة وأولياء الأمور والقائمين على العملية التعليمية، لنستمع إلى اهتماماتهم وكيفية مواءمة اتجاهاتنا الاستراتيجية مع احتياجات سوق العمل بما يتماشى مع طموحات وقدرات واهتمامات أبنائنا. وندرك كذلك مدى أهمية تسليط الضوء على النماذج الناجحة في مختلف قطاعات العمل لنسهم في هذه المحادثة، وهو ما دأب مركزنا عليه من خلال استضافة العديد من تلك الأمثلة المتميزة عبر مختلف الوسائل والمنصات والمنشورات الدورية المتنوعة التي يصدرها مركزنا.

وختامًا، نتمنى لجميع أبنائنا وبناتنا يومًا طيبًا يملؤوه الطموح والتفاؤل؛ فنحن اليوم نهيئ لهم بيئة تكون فيها تلبية طموحاتهم وشغفهم واجبًا وطنيًا عليهم وعلينا، ونموهم في مسار النجاح طريقنا نحو تحقيق رؤية دولتنا الوطنية 2030 وما بعدها من ترسيخ أسس التنمية المستدامة على مدى الأجيال