اضطراب طيف التوحد، التحديات واستثمار الفرص

جهود لافتة من مركز قطر للتطوير المهني على الصعيدين المحلي والإقليمي

في كل عام يخصص العالم شهر إبريل للتوعية بالتوحد، بعد أن أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثاني من إبريل يوما عالميًا للتوعية بالتوحد في عام 2007، وذلك بناءً على اقتراح قدمته صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر دعت فيه إلى تحديد اليوم العالمي للتوعية بالتوحد خلال الدورة الـ 62 للجمعية العامة للأمم المتحدة.

وقد بذلت دولة قطر جهودًا هائلة على جميع الأصعدة من أجل دمج الأشخاص ذوي التوحد في المجتمع ومنحهم الفرصة ليحققوا طموحاتهم المهنية ويكونوا عنصرًا أساسيًا في عملية التنمية الشاملة على طريق تحقيق الرؤية الوطنية 2030.

ورغم تلك الجهود، لم يزل الطريق طويلًا حينما يتعلق الأمر بدمجهم بشكل كامل بالمجتمع، فالعديد منهم يواجهون تحديات في الحصول على فرص التعليم المناسب ودخول سوق العمل.

ويشهد شهر أبريل العديد من الأنشطة والمناقشات في جميع أنحاء العالم والتي تهدف للتوعية بكل ما يخص اضطراب طيف التوحد وتصحيح المفاهيم الخاطئة المتعلقة به، كونها الخطوة الأهم في سبيل تحقيق دمج حقيقي لذوي التوحد في المجتمع.

 

ليسوا أقل ذكاءً أو قدرة من أقرانهم، بل لهم طريقتهم الخاصة

وهناك أنواع وأعراض مختلفة لاضطرابات التوحد تختلف حدتها من شخص لآخر، فهم ليسوا أقل ذكاءً أو قدرةً عن أقرانهم، بل يفكرون طريقة مختلفة ويتعاملون مع الأمور بطرقهم الخاصة ويتواصلون مع من حولهم بأسلوبهم الخاص.

وقد تصاب بالدهشة حينما تعلم أن أشخاصًا مشهورين في مجالات عديدة لديهم نوع أو آخر من ذلك الاضطراب؛ لكنه لم يشكل عائقًا أمام نجاحهم، ومن بينهم: العالم ألبرت إينشتاين، ورجل الأعمال الشهير إلون ماسك، ومؤسس آبل ستيف جوبز، ومؤسس فيسبوك مارك زوكربيرغ.

 

جهود حثيثة يبذلها مركز قطر للتطوير المهني لدمج المصابين بالتوحد في سوق العمل

وعند الحديث عن الجهود المبذولة لدمج ذوي التوحد في سوق العمل القطري، يجب التوقف قليلًا عند ما حققه مركز قطر للتطوير المهني، عضو مؤسسة قطر، في هذا الإطار خلال السنوات الماضية. وترتكز برامج المركز وخدماته بشكل أساسي حول تطوير نظام التوجيه المهني في دولة قطر، وتعزيز دور التطوير المهني في تنمية رأس المال البشري القادر على بناء اقتصاد متنوع ومستدام يحقق رؤية قطر الوطنية.

وقد بدأ المركز في إطلاق برامج مخصصة لذوي التوحد في عام 2017 من خلال التعاون مع أكاديمية العوسج لإطلاق برنامج “مهارات الاستعداد المهني” الذي استهدف الطلاب الذين يعانون من صعوبات في التعلم خفيفة ومتوسطة الشدة. وعمل البرنامج على إكساب الطلاب مهارات التوظيف الرئيسية من خلال ورش عمل ومناقشات ورحلات ميدانية وغيرها من الأنشطة التي تستهدف إعدادهم للحياة المهنية. وقد تم إدراج البرنامج رسميًا في وقت لاحق ضمن المنهج الدراسي للأكاديمية.

وشهد شهر أبريل من العام الماضي علامة فارقة جديدة في مسيرة هذا البرنامج مع إطلاق مبادرة التدريب الداخلي الشمولي في مؤسسة قطر، والتي مكنت الطلاب من اكتساب الخبرة العملية والتعرف على بيئة العمل عن قرب مع تطبيق المهارات التي تعلموها خلال برنامج مهارات الاستعداد المهني.

  ويسعى المركز لتطبيق هذه المبادرة على مستوى أوسع خلال السنوات المقبلة من أجل تطوير ثقافة توظيف أكثر شموليةً على الصعيد الوطني، والإسهام بشكل أكبر في تدريب المؤسسات على إشراك ذوي الإعاقة.

 

شركاء التوجيه المهني، تعاون مكثف على الصعيدين الوطني والدولي

ويشكل التوظيف الشمولي كذلك محورًا مهمًا من مناقشات “لقاء شركاء التوجيه المهني” الذي نظم مركز قطر للتطوير المهني نسخته الأخيرة عام 2022 بالشراكة مع وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، ومكتب مشروع منظمة العمل الدولية في دولة قطر، وقطاع التعليم العالي في مؤسسة قطر. ويجمع هذا اللقاء مختلف الجهات المعنية بالتوجيه المهني في دولة قطر من أجل تبادل المعارف والتوصل إلى أفضل الممارسات التي تدعم التوجيه المهني كوسيلة قادرة على تحقيق النجاح الشخصي والاجتماعي والتعليمي والاقتصادي للشباب القطري بشكل خاص، والمجتمع القطري بشكل عام.

وكان من أبرز أهداف اللقاء في العام الماضي، العمل على تعزيز انتقال الأشخاص ذوي الإعاقة من التعليم الثانوي إلى الحياة العملية عبر إطار عمل منظم لمهارات الإدارة المهنية، يدعم التوظيف الشمولي وإدماجهم بشكل سلس ضمن النسيج الاجتماعي.

 

توعية متواصلة بأهمية الشمولية في مكان العمل

ولا تقتصر جهود المركز في هذا الإطار على المستوى الاستراتيجي والمؤسسي، حيث يحرص كذلك على توعية كافة أطياف المجتمع بأهمية الشمولية في مكان العمل، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وشبكة الانترنت.

ولعل أبرز ما قدمه في هذا الإطار خلال العامين الماضيين تنظيم سلسلة ندوات متخصصة خلال شهر التوعية بمرض التوحد، شارك فيها نماذج دولية ملهمة تعايشوا مع التوحد وبنوا مسيرات مهنية ناجحة على الرغم من جميع التحديات، من بينهم الدكتورة تمبل غراندين أستاذة علم الحيوان بجامعة كولورادو، والدكتور ستيفن شور، بروفيسور التعليم الخاص بجامعة أدلفي.

كما شارك في هذه الندوات أبرز الخبراء في هذا المجال مثل الدكتور روبرت نصيف، اختصاصي علم النفس وخبير طيف التوحد. وفي الوقت ذاته، منحت تلك الندوات أسر الأشخاص ذوي الإعاقة وأرباب العمل فرصة مشاركة تجاربهم ووجهات نظرهم حول كيفية إنشاء بيئة عمل أكثر شمولًا.

 

برنامج ريادي لدعم توظيف الأشخاص من ذوي الإعاقة

وأطلق مركز قطر للتطوير المهني هذا العام برنامجًا لدعم توظيف الأشخاص من ذوي الإعاقة تعاون خلاله مع الدكتور شور والدكتور نصيف، إلى جانب عدد من الخبراء في مجال التوجيه والتطوير المهني، من أجل تدريب المرشدين المهنيين والعاملين في مجالات مثل التعليم والموارد البشرية على تقديم الدعم للأشخاص الذين يواجهون صعوبات خفيفة ومتوسطة في التعلم وغيرها من التحديات الإدراكية وفقًا لأفضل الممارسات الدولية المعدلة لتناسب السياق المحلي في دولة قطر. وشارك في البرنامج ممثلون من مختلف القطاعات بالدولة، بما في ذلك استشاريو المدارس وأولياء الأمور والشركاء المجتمعيون وشركاء التطوير المهني وأصحاب العمل، وأفراد أسر الطلبة المتنوعين عصبيًا.

ولم يقتصر تأثير تلك الجهود على المستوى الوطني، فالعديد من البرامج التي ينظمها المركز تشهد إقبالًا من المتخصصين في دول الخليج العربي، كما تسمح معظم مبادراته بمشاركات من مختلف الدول العربية وجميع أنحاء العالم.

 

إشادة بورقة بحثية قدمها المركز في المؤتمر العربي الأول للتطوير المهني

التوظيف الشمولي كان أيضًا محور ورقة بحثية بعنوان “”تعزيز إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في سوق العمل القطري”، قدمها المركز قبل أسابيع في النسخة الأولى من المؤتمر العربي للتطوير المهني بمدينة أسوان المصرية بمشاركة ما يزيد عن 1000 خبير وممثلين عن 42 مؤسسة حكومية وغير حكومية من 12 دولة عربية.

واستعرض المركز خلال تلك الورقة البحثية التي نالت إشادة الجميع إنجازات الدولة في تعزيز الشمولية في الاقتصاد والمجتمع عبر بوابة التطوير المهني، إلى جانب الجهود المكثفة التي يبذلها المركز في سبيل تعزيز ثقافة التوظيف الشمولي في دولة قطر، والنجاحات التي حققها والتحديات التي واجهته في هذا المسعى.

 

دعوة للتفاؤل

كل ما استعرضناه يدعو إلى التفاؤل فيما يخص مستقبل ذوي التوحد في قطر، ولكننا في حاجة للبناء على كل تلك الجهود والعمل على تكثيف التعاون بين كافة المؤسسات من أجل تجاوز التحديات على مختلف المستويات، بدءًا من عائلات ذوي التوحد ومرورًا بالمجتمع ووصولًا لأرباب العمل، إذا كنا بالفعل نرغب في حصد نتائج حقيقية تسهم في الاستفادة من إمكانات كل فرد في المجتمع من أجل بناء مستقبل مزدهر لدولة قطر.