استادات كأس العالم 2022 تمهد لمستقبل قطر عبر ماضيها

كرة القدم ليست مجرد رياضة تنافسية، بل هي لغة عالمية يجتمع على شغفها البشر من جميع الخلفيات، ويتّحدون معاً خلف الساحرة المستديرة. يعود هذا الشغف لاجتياح العالم كل 4 سنوات، عندما يشارك مئات الملايين من المشجعين في الاحتفال ببطولة كأس العالم، التي باتت بدورها أكبر حدث رياضي في العالم، وأكثرهم شهرة.

في إطار استعداداتها لاستضافة نسخة عام 2022 من البطولة، خططت قطر للاستفادة من الفرصة الفريدة التي يتيحها هذا الحدث لتعرض تراثها، وتعزز التبادل الثقافي بين الدول. وهو ما تأمل الدوحة تحقيقه عبر عدة سبل، أبرزها تصميمات الملاعب الفريدة التي تظهر التقاليد القطرية العريقة، وتعكس المعارف والعلوم التي اكتسبها وطورها الشعب القطري على مر السنين. ويأمل مركز قطر للتطوير المهني أن تلهم هذه الطموحات جيلًا جديدًا من القطريين لمتابعة مسارات مهنية من شأنها دفع مسار نمو الدولة، مع الحفاظ على التراث القطري الغني، والتقاليد الوطنية الراسخة.

فاليوم، لا يقتصر عرض التراث القطري على المؤسسات الثقافية والمتاحف الموزعة في أنحاء الدولة فقط، بل نراه واضحاً أيضاً في تصميم الملاعب التي تستضيف منافسات بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022TM، والتي تم تصميمها لتكون بمثابة منصات تعرّف العالم بالثقافة والعمارة والحرف اليدوية القطرية.

فاستاد “لوسيل” على سبيل المثال، وهو أكبر استاد في الدولة، يجسد تاريخ قطر المتميز في الصناعات اليدوية. حيث تطورت الصناعة الحرفية التقليدية في قطر على مر السنين، لتلبي احتياجات ومتطلبات السكان، بدءًا من تصنيع المجوهرات والجلود إلى الأخشاب والملابس، فضلاً عن مواد البناء والحدادة وبناء السفن، وغيرها من المهن الحرفية.

سيستضيف استاد لوسيل عشرة مباريات في مونديال قطر 2022 أهمها المباراة النهائية في البطولة. وهو ثامن استادات المونديال التي تسلط الضوء بشكل إبداعي على تاريخ قطر الغني، بتصميمه المستوحى من الفوانيس التقليدية. إذ استُمد تصميم هذا الاستاد الاستثنائي من تداخل الضوء والظل الذي يميّز الفنار العربي التقليدي و الفوانيس. كما يعكس هيكله وواجهته النقوش بالغة الدقة التي يمكن رؤيتها تقليديًا على أوعية الطعام والأواني الخزفية وغيرها من القطع الفنية التي وجدت في أرجاء الوطن العربي والإسلامي خلال نهوض الحضارة في المنطقة. أما استاد الجنوب الواقع في جنوب مدينة الوكرة، وهي واحدة من أقدم المناطق القطرية المأهولة بالسكان فيحتفي تصميمه بتاريخ الوكرة العريق كمركز للصيد والبحث عن اللآلئ، كما يسلط الضوء على تاريخ قطر المديد في بناء السفن والأنشطة البحرية.

استاد “974” أيضًا يحمل رمزيةً تشير إلى تاريخ الدوحة البحري، حيث بُني باستخدام 974 من حاويات الشحن البحري، كما يشير الرقم ٩٧٤ في نفس الوقت إلى رمز الاتصال الدولي الخاص بقطر. ونصل إلى استاد “الثمامة” الذي يسلط الضوء على الإرث الثقافي والتاريخي المشترك للدول العربية، من خلال تصميم فريد مستوحى من “القحفية” التقليدية، وهو الاسم الذي تعرف به القبعة التقليدية التي يرتديها الرجال والأطفال في جميع أنحاء الوطن العربي.

ولعل أكثر ما يعكس اعتزاز دولة قطر بتاريخها العريق هو استاد خليفة الدولي الذي تم بناؤه عام 1976، وأعيد تصميمه في عام 2005 لاستضافة دورة الألعاب الآسيوية لعام 2006 ليكون ممشىً يربطه بشكل مباشر مع متحف قطر 1-2-3 الأولمبي الرياضي الذي يعتبر أحد أكبر المتاحف الرياضية في العالم.

تسعى قطر من خلال هذه المواقع الأصيلة إلى إقامة روابط تتخطى حدود البطولة لتوفر لزوارها تجارب ثقافية تدوم إلى أبعد من هذا الحدث العالمي، وتخلق ذكريات دائمة لمئات الآلاف من الزوار ليستطيعوا مشاركتها مع العالم أجمع. كما أن نجاح قطر في هذا المجال سيلهم اهتمام الشباب القطري بمتابعة المهن التي تساهم في مسيرة التنمية البشرية للدولة، وإعداد رأس المال البشري الذي يستجيب لمتطلبات رؤية قطر الوطنية 2030، وهو هدف رئيسي لمختلف الجهود التي يبذلها مركز قطر للتطوير المهني.