دليلك السريع للذكاء العاطفي

عندما يتعلق الأمر بالنجاح في مسيرتك المهنية، فلا شك أن تحليك بالذكاء من العوامل المهمة التي من شأنها أن تسهم في تجاوزك للتحديات وتحقيقك لأهدافك. وقد يظن البعض أن الذكاء يقتصر على الذكاء المنطقي الذي يبرز من خلال التفوق في تحصيل المعرفة وإتقان المهارات والبراعة في حل المشكلات، ولكن الواقع يختلف عن ذلك. فهناك الكثيرون ممن تفوقوا في التحصيل الأكاديمي وتجاوزوا باقتدار أصعب اختبارات نسبة الذكاء (IQ)، ثم لم يحققوا نفس القدر من النجاح على المستوى المهني أو الشخصي.

تفسير ذلك ببساطة أن هناك أنواعًا متعددة من الذكاء، تختلف نسبتها في عقل كل شخص بحسب البيئة التي نشأ فيها والمعرفة والخبرات والمهارات التي اكتسبها خلال حياته. وقد عدَّد الدكتور هاورد غاردنر، أستاذ علم النفس في جامعة هارفارد، ثمانية أنواع مختلفة من الذكاء من خلال نظرية ”الذكاءات المتعددة“ التي قدمها في كتابه ”أطر العقل“ عام 1983 ، وهي الذكاء اللغوي والمنطقي والمكاني والموسيقي والحركي والطبيعي والشخصي والاجتماعي. وشكلت تلك النظرية لاحقًا أساسًا للمزيد من الأبحاث في أنواع الذكاء المختلفة، حتى جاء عام 1995 ليشهد إصدار كتاب عنوانه ”الذكاءُ العاطفي“، والذي أصبح خلال سنوات قليلة واحدًا من أكثر الكتب تأثيرًا في مجال التطوير الشخصي وإدارة الأعمال. ومن خلال هذا الكتاب قدم دانيال غولمان، الصحفي العلمي وعالم النفس، تحليلًا عميقًا لنوعين من الذكاء هما الذكاء الشخصي والاجتماعي، مسلطًا الضوء على أهميتهما في حياة كل شخص.

وبالإمكان تعريف الذكاء العاطفي الذي تحدث عنه غولمان على أنه قدرة الشخص على إدراك المشاعر التي تعتريه في مختلف المواقف، وتفهُم مشاعر الأشخاص الذين يتعامل معهم، إلى جانب إدارته لهذه المشاعر بكفاءة من أجل تحقيق أهدافه الشخصية والمهنية، وبناء علاقات اجتماعية مثمرة.

ولا شك أن بإمكان العاطفة أن تؤثر في القرارات التي نتخذها، فمن الطبيعي أن تمر بنا لحظات نشعر فيها بضغط عصبي قد يؤدي مثلًا إلى غضب أو حزن أو خوف، كما يمكن بالطبع أن تأتي أوقاتٌ نشعر فيها بالسعادة أو الشغف، لكن المهم أن نكون أذكياء في التعامل مع مشاعرنا في مختلف المواقف، وألا نطلق لها العنان في التأثير على انفعالاتنا وسلوكياتنا وعلاقاتنا الاجتماعية. وقد أثبتت العديد من الدراسات التي أجراها علماء النفس عبر العقود الماضية أن الأشخاص الأذكياء عاطفيًا يمتلكون فرصة أكبر في تحقيق النجاح على المستويين الشخصي والمهني، لأنهم أكثر قدرة على اتخاذ القرارات المناسبة في الأوقات الصحيحة وبناء العلاقات الاجتماعية الفاعلة.

وتعتبر حاليًا العديد من الشركات الذكاء العاطفي عاملً مهمًّا في اختيار موظفيها، أو ترقيتهم لمناصب قيادية، لعلمها بالتأثير الإيجابي للأشخاص الأذكياء عاطفيًا على الأداء والإنتاجية.

وإذا كنت طالبًا في المدرسة أو الجامعة، أو بدأت بالفعل حياتك المهنية، فإن تدريب نفسك على أن تكون ذكيًا عاطفيًا أصبح أمرًا في غاية الأهمية. ورغم أن البيئة التي نشأت فيها والخبرات التي اكتسبتها على مدار حياتك لا بد وأن يكون لهم تأثيرٌ على تشكيل ذكائك العاطفي، فلا يوجد ما يمنعك من العمل على تحسينه، لأنه في الواقع مجرد

مجموعة من المهارات التي يمكنك اكتسابها وتنميتها مهما كان عمرك أو مستواك الأكاديمي أو الوظيفي. بإمكانك على الأقل المحاولة!

خمس خطوات لكي تصبح أذكى عاطفيًا

  • الوعي الذاتي

الخطوة الأولى والأهم هي أن تتعرف جيدًا على مشاعرك. راقب رد فعلك تجاه المواقف المختلفة التي تتعرض لها. ما الذي تشعر به؟ هل هو شعور إيجابي أم سلبي؟ كيف يؤثر هذا الشعور في تفكيرك وسلوكك؟ على سبيل المثال: ما الذي أثار غضبك؟ ما الذي أحبطك؟ ما الذي أشعرك بالسعادة؟ وكيف تتصرف كلما انتابك أحد هذه المشاعر؟ ما الذي جعل الأمور تصل لما هي عليه؟ كن واعيًا دائمًا وراقب نفسك جيدًا، وستمنحك إجابات تلك الأسئلة فهمًا أعمق لمشاعرك وقدرةً أكبر على إدراكها أثناء حدوثها، كما ستساعدك في تحديد نقاط القوة والضعف في شخصيتك، وكلما فهمت نفسك أكثر كانت صحتك النفسية وسلوكك الاجتماعي أفضل.

  • إدارة الذات

الآن وبعد أن أصبحت قادرًا على إدراك مشاعرك وقت حدوثها، بإمكانك العمل على تحديد رد فعلك تجاه كل منها، ولكي تقوم بذلك على نحو فاعل، عليك أن تتوقف قليلًا إذا انتابك أي نوع من المشاعر، سواء كان سلبيًا أم إيجابيًا. احتكم لعقلك ولو لبضع ثوان قبل أن تتخذ أي قرار. فكر جيدًا في رد فعلك. هل يتطلب الموقف ما تنوي فعله أو قوله؟ لا تندفع ولا تترك مشاعرك تسيطر عليك، حتى لا يؤدي ذلك لنتائج غير محمودة، واعمل عوضًا عن ذلك على التحكم في انفعالاتك، وتوجيه مشاعرك لما فيه مصلحتك بحسب كل موقف.  ولكن احذر، ليس المطلوب هنا أن تكتم مشاعرك وتدعها تتراكم حتى تنفجر، فالأفضل أن تتعامل معها أولًا بأول، والا تركز على المشكلة، بل فكر في إيجاد الحلول.

إن تحكمك في مشاعرك يعزز من ثقتك بنفسك، ويمنحك قدرة أكبر على التكيف مع أي تغيير. من الممكن أن تكون السيطرة على مشاعرك أمرًا صعبًا، خاصة إذا كنت قد تعودت في السابق على سلوك معين كرد فعل خلال تجارب مماثلة، ولكن هذا لا يعني أنك غير قادر على تغيير هذا السلوك. يمكنك أن تتحسن تدريجيًا عبر التركيز والتدرب يوميًا.

  • التحفيز

إذا كنت قادرًا على إدراك مشاعرك وقت حدوثها والسيطرة عليها، فلا يوجد ما يمنعك من العمل على اكتساب مشاعر إيجابية تحفزك على بلوغ أهدافك، وتعينك على مقاومة مشاعرك السلبية مهما واجهت من تحديات. الأمر كله يحدث داخل عقلك. بإمكانك أن تشعر بالشغف والتفاؤل والسعادة وقتما تشاء، ولكن يتطلب ذلك أن تحدد أهدافًا شخصية ومهنية أكبر من مجرد المال والمنصب. أهدافًا تدفعك للالتزام بقراراتك والانغماس في العمل بكل جوارحك، لأن ذلك سيمنحك القوة والعزيمة من أجل الاستمرار نحو هدفك مهما كانت الظروف.

  • التعاطف

لا يمكن أن تعيش في الحياة وحدك! سيكون عليك دومًا التعامل مع أناس يختلفون عنك في ثقافاتهم وسلوكياتهم وطبائعهم وخبراتهم السابقة. ولكي تبني علاقات اجتماعية قوية مع الآخرين، عليك أن تكون قادًرا على قراءة مشاعرهم وفهم تصرفاتهم في مختلف المواقف. أحسِن الظن وكن ميالًا للتعاطف مع الأشخاص الذين تتعامل معهم. لا تتسرع في إصدار الأحكام عليهم، وفكر قبل ذلك في الظروف التي دفعتهم للتصرف بهذه الطريقة. ضع نفسك في مكانهم وتخيل كيف ستكون ردة فعلك، أو حاول أن تنظر للموقف بحيادية. يتطلب ذلك أن يكون ذهنك دومًا حاضرًا خلال تعاملك مع الآخرين، والأهم أن تدرب نفسك دومًا على الهدوء وضبط النفس تحت أي ضغوط. لا تكن شخصًا من السهل استفزازه.

  • المهارات الاجتماعية

الخطوة الأخيرة هي أن تدير علاقاتك الاجتماعية بكفاءة، وهذا الأمر لن يكون صعبًا إذا كنت قد نجحت في الخطوات الأربع السابقة. تفهمك لمشاعر الآخرين سيمكنك من بناء علاقات اجتماعية مثمرة تعزز ثقتك بنفسك وتسهل اندماجك في البيئة المحيطة بك، وبالتالي سيحسن ذلك من كفاءتك خلال العمل في مجموعات، كما سيعزز قدرتك على القيادة. وفي المقابل، إذا كنت تواجه صعوبات في بناء علاقات صحية مع الآخرين، فقد تفتح الباب بذلك لمشاعر سلبية مثل الاكتئاب والإحباط، وهذا الأمر سيعطل تطورك على المستويين الشخصي والمهني، حتى وإن كنت متفوقًا على المستوى الأكاديمي. من السهل اكتساب المهارات الاجتماعية تدريجيًا إذا كنت بالفعل ترغب في ذلك، وكل ما عليك فعله هو أن تبدأ بالعمل على تنمية مهارات التواصل لديك.

احرص على أن يسود الود والصراحة والاحترام علاقاتك الشخصية والمهنية، وكن واضحًا مع الآخرين بشأن ما يمكنك أن تقبله أو لا تقبله خلال تعاملاتكم، حتى تقلل من الخلافات التي لا بد وأن تحدث من وقت لآخر، وعند حدوثها عليك أن تعتبرها فرصًا لبناء الثقة بينك وبين من اختلفت معهم، بدلًا من النظر إليها على أنها صراعات يجب أن تنتهي بانتصار أو هزيمة. كُن منفتحًا على وجهات النظر المختلفة، وتقبل النقد البناء، واحرص أيضًا على أن يكون نقدك بناءً. بشكل عام، اجعل حديثك عن نفسك دومًا إيجابيًا، واعمل على أن تكون مصدر إلهام وتفاؤل لمن حولك، بدلًا من نشر الطاقة السلبية والتشاؤم.

كل ذلك من شأنه أن يغير حياتك للأفضل، ويضعك على الطريق الصحيح نحو تحقيق كل أهدافك الشخصية والمهنية.