دور الآباء المهم في نجاح أبنائهم

دور الآباء المهم في نجاح أبنائهم

تفيد الأبحاث بأن الآباء الذين يتابعون ويهتمون بالعملية التعليمية لأبنائهم هم الذين ينشؤون أفرادًا ناجحين.

أول مكان يتعلم فيه الأبناء هو البيت، حيث يتلقون التعليم من الوالدين، وممن حولهم في البيئة التي ينشؤون فيها؛ ولا يخفى على أحد ما للآباء من دور مهم في تعليم أبنائهم. فإلى أي مدىً ينبغي أن تكون مشاركة الآباء في تعليم أبنائهم؟ يجيب عن ذلك ستيف ستاي، المستشار الأكاديمي في وايل كورنيل للطب- قطر وأكاديمية قطر والمستشار السابق بالمدرسة الثانوية بأكاديمية العوسج، قائلاً: “المشاركة المطلوبة هي كل مشاركة من شأنها أن تسهم في نجاحهم وتجعلهم أفرادًا منتجين”.

ويضيف: “لا يتسنى للطلاب تحقيق إمكاناتهم كاملةً إلا إذا أسهم آباؤهم بدور إيجابي في تعليمهم. وقد أثبتت الأبحاث مرارًا أن المشاركة الإيجابية للآباء تزيد من إنجازات الطلاب، وتقلّل من السلوك السيء لديهم، وتشجّعهم على الحضور، وتزيد إحساسهم بالرضا في المدرسة؛ وأن الطلاب الذين لا يشارك آباؤهم في العملية التعليمية يحصلون على أقل الدرجات، ويضحون أكثر عرضة للمشاكل بالمدرسة، ولا يشعرون بالسعادة فيها”.

وفي هذا السياق، أدرك راشد عبدالله العبيد، وهو أب لأربعة أبناء، مبكرًا، أن المشاركة في تعليم الأبناء كانت ضروريةً جدًا من أجل نجاحهم. فيقول في هذا الصدد: “أؤمن بأهمية المشاركة في تعليم أبنائي جميعًا. وأحضر مجالس الآباء، واجتماعات أولياء الأمور، وسائر الأنشطة التي تدعو إليها المدرسة. وتشاركني والدتُهم أيضًا جزءًا من المسؤولية، بتقديم المشورة لهم وإعانتهم بالنصيحة. كما تساعدهم في المهام المنوطة بهم، ومراجعة دروسهم العلمية وواجباتهم بصفة يومية”.

ابنة العبيد، هيا، طالبة جامعية تدرس حاليًا إدارة الأعمال بجامعة قطر، وابنه الأكبر، فهد، أنهى دراسته في علوم الحاسوب بجامعة سوينبرن في أستراليا، ويعمل حاليًا مديرًا لتكنولوجيا المعلومات ومهندس نظم في شركة قطر للبترول، وشارك في الدورة الرابعة والأربعين لمعرض جنيف الدولي للاختراعات، حيث قدّم اختراعه المسمّى “العين الثالثة” – وهو منظومة صُممت لتساعد حرس الحدود والعساكر في مراقبة “المنطقة العمياء” بالمناطق العسكرية.

الابن الثاني لعبيد، عبدالله، تخرج في كلية أحمد بن محمد العسكرية، وحصل منها على درجة البكالوريوس في المحاسبة ودبلوم في العلوم العسكرية، وابنه الثالث، عبدالرحمن، طالب في المرحلة الإعدادية. يقول العبيد إن أبناءه جميعًا قد وضحت أمامهم المسارات المهنية التي ينبغي أن يتخذوها، والمجالات المناسبة التي ينبغي أن يطرقوا أبوابها، موضحًا أن ذلك الوضوح في الرؤية ومعرفة الهدف كان نتاجًا لمشاركته الفاعلة.

ويقول العبيد: “تعوّدت أن أجلس معهم وأستمع إليهم وأتابعهم عن كثب إذ يتعلمون، كما أراقب أنشطتهم في المدرسة، وأتعاون مع معلميهم. وزرعت في نفوسهم أيضًا أهمية التعليم من سن مبكرة، فذلك يساعدهم في تطوير أنفسهم، وفي استقلاليتهم، ويزيد من معارفهم ويوسع مداركهم، كما يفتح أمامهم آفاقًا جديدة تعينهم على الدرب إذ يسعون نحو فرص العمل في المستقبل”.

اتبع العبيد مع أبنائه أسلوب تشجيعهم على اتخاذ قرارات مطّلعة، من خلال المصارحة والمكاشفة معهم. ويقول في هذا الصدد: “ينبغي أن نوازن بين الحزم مع الأبناء وتقديم الدعم والمشورة لهم. فأنا أتبع مع أبنائي أسلوب الحوار والإقناع، وأختار الوسطية في التعامل والتواصل معهم، وأرشدهم من خلال النصح؛ لكنني أحيانًا ما أكون حازمًا معهم، لا سيّما في الأمور التي تتعلّق بتقاليد مجتمعنا الخليجي المحافظ”.

كما يضطلع العبيد، وزوجته، بدور المدرب المهني لأبنائهما، فهما يدركان ما للآباء من دور مهم، علاوةً على دور المعلمين والمرشدين؛ كيف لا، ولديهم قدرة التأثير وتحمل المسؤولية لإرشاد أبنائهم إلى المسار الصحيح. إذن، من أين يبدأ الوالدان من حيث كونهما مدربين؟

يجيب العبيد بأن البداية تكون “بمراقبتهم عن كثب وهم يدرسون، ومعرفة اهتماماتهم، وما يحبونه، وما يثير شغفهم، وكذلك معرفة المواد الدراسية التي يحصلون فيها على أعلى الدرجات، ومن ثم نقدم المشورة والنصح لهم. ثم نترك لهم أن يختاروا ما يشاؤون، ولا نجبرهم أبدًا على أي تخصص أو مجال بعينه”.

وفقًا للدكتور تاج السر كردمان، مستشار التنمية المهنية بمركز قطر للتطوير المهني، يواجه كثير من الآباء تحديًا يتعلق بتغير الأزمنة والأجيال؛ ولهذا، يبقون عالقين بالطرق التقليدية عند النظر في الخيارات المهنية المتاحة أمام أبنائهم. وأوضح ذلك قائلاً: “يدفع كثير من الآباء أبناءهم دفعًا إلى مهن تقليدية يعتقدون أنها آمنة، كمهنة الطب والمحاماة والمحاسبة، على الرغم من أن هناك مهنًا عديدة جديدة ومقررات دراسية يتاح من خلالها الحصول على درجات جامعية حاليًا. كما أن هناك مهنًا، كمهنة مطوّر التطبيقات الإلكترونية أو خبير الاستدامة، لم يكن لها وجود منذ عقد مضى”.

ويضيف قائلاً: “إن الأساليب التي يتبعها الآباء مع أبنائهم ينبغي أن تتطور مع مرور الزمن. كما أنهم بحاجة إلى معرفة سوق العمل ونظام التعليم بدولة قطر، معرفةً تعينهم على توجيه أبنائهم. فنظم التعليم لم تعد كما كانت، وهناك مهن جديدة أضحت هي المطلوبة حاليًا. ينبغي للآباء حضور المعارض المهنية، والتحدث إلى المعلمين والمرشدين، ومعرفة آخر المستجدات في وزارة التعليم والتعليم العالي ووزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية. كما ينبغي لهم أن يلتحقوا بدورات رسمية من أجل اكتساب مهارات توجيه الأبناء، حتى يتمكنوا من إرشاد أبنائهم تبعًا لذلك”، حسبما ينصح كردمان.

ويقول الدكتور كردمان إن هذه الأفكار والرؤى ستجعل الآباء قادرين على القيام بما يلي:

  • مساعدة أبنائهم في اكتشاف مهاراتهم وقدراتهم واهتماماتهم، والتعرّف على نقاط القوة والضعف لديهم.
  • مد يد العون لأبنائهم بشأن الخيارات المهنية أو التعليمية، بدلًا من إجبارهم على السعي نحو ما يعدونه مقبولًا اجتماعيًا أو مجزيًا اقتصاديًا.
  • توجيههم (بدلًا من اتخاذ قرار نيابةً عنهم) نحو اتخاذ قرارات سليمة بشأن التوظيف، والتقدّم المهني، وما إلى ذلك.
  • الاستمرار في حث الأبناء على تحقيق ما قد قرّروه، بتوفير ما يحتاجونه من موارد ودعم مستمر.

ويضيف الدكتور كردمان قائلاً: “فضلًا عن ذلك، يحتاج الآباء إلى أن يكونوا أكثر تفاعلًا وتأملًا، وأن يتحلوا بمهارات الاستماع اللازمة لتشجيع أبنائهم ودعمهم بدلًا من فرض الرأي، وأن يقدموا المشورة لأبنائهم بدلاً من تهميشهم واتخاذ القرار نيابة عنهم. فمدار الأمر كله حول سلوك الآباء تجاه أبنائهم”.

الطريق إلى النجاح

قد تبدو مسؤولية تنشئة الأبناء لتحقيق الإنجازات العالية مهمةً شاقةً. يقول ستيف ستاي في هذا الصدد، إن بعض التوجيه يجعل الآباء قادرين على إخراج أفضل ما لدى أبنائهم، برغم أن الأبناء يختلف بعضهم عن بعض. ويقدّم الإرشادات الآتية:

  • تأكد من حصول ابنك على قسط كاف من النوم كل يوم، إذ يحتاج معظم الطلاب إلى تسع أو 10 ساعات من النوم لكي يعملوا بكامل طاقتهم.
  • تأكد من أنه يتناول غذاءً صحيًا قبل الذهاب إلى المدرسة.
  • اعرف قواعد المدرسة وساعد ابنك على الالتزام بها.
  • اثبت لابنك أن تعليمه ذو أهمية بالنسبة لك، بأن تتحقّق يوميًا من درجاته، وحضوره، وسلوكه.
  • في نهاية كل أسبوع، اعرف بالضبط ما ينبغي أن ينجزه ابنك فيما يتعلق بالمدرسة، من خلال التعاون الوثيق مع معلّمه.
  • شجّعه على قضاء بعض الوقت في القراءة كل يوم، وكن له مثالاً جيدًا بأن يراك كل يوم وأنت تقرأ.
  • حدد توقعاتك إزاء جهود ابنك، وحافظ عليها. احرمه من الامتيازات إذا لزم الأمر، وحدد له هدفًا واضحًا عليه تحقيقه قبل استعادة امتيازاته. وتذكر أيضًا أن تكافئه إذا بذل جهودًا مخلصة.

ينبغي للآباء أن يتجنبوا ما يلي:

  • إساءة معاملة أبنائهم جسديًا أو نفسيًا في محاولة لجعلهم يعملون بجد أو يؤدون أداءً أفضل بالمدرسة.
  • استخدام الواسطة أو الرشوة أو التهديدات للتأثير على موظفي المدرسة.
  • ترك الحبل على الغارب، وإعطاء الحرية دون حدود أو شروط. إذ يحتاج الأبناء إلى حدود واضحة وثابتة يمكن تخفيفها تدريجيًا عندما يُظهرون نضجًا وانضباطًا ذاتيًا.
  • القضاء على الحياة الاجتماعية لأبنائهم لأجل التركيز بشكل كامل على دروسهم العلمية. فالأبناء الذين لا يتمتعون بفرص التفاعل الاجتماعي الصحية والمتكررة هم أكثر عرضة للأذى والإصابة بالأمراض العقلية.
  • نقل الأبناء من مدرسة إلى أخرى على نحو متكرر.
  • الإصرار على حصول الأبناء على الدرجات كاملةً في الاختبارات والدراسة. اعلم أن الأبناء قد يعوضون ما يفوتهم في إحدى المجالات من خلال التميز في مجالات أخرى. لذا عليك أن تغذي مهاراتهم واهتماماتهم.