التوجيه المهني في زمن كوفيد-19 وما بعده

لقاء حصري مع الدكتور برايان هاتشيسون


الدكتور برايان هاتشيسون

تعود بدايات مجال التوجيه المهني إلى أواخر القرن التاسع عشر عندما أرسى البروفيسور الأمريكي فرانك بارسونز، رائد حركة التوجيه المهني في العالم، المبادئ الأساسية لهذا المجال.

وخلال العقود التالية ظهر في الولايات المتحدة العديد من الخبراء والمفكرين والعلماء الذين استفادوا من هذه المبادئ وأسهموا في تطوير مجال التطوير المهني. من بين هؤلاء الدكتور برايان هاتشيسون، أستاذ استشارات الصحة النفسية في جامعة والدن، والأمين السابق للجمعية الوطنية للتطوير المهني في الولايات المتحدة (NCDA)، والرئيس السابق لرابطة التطوير المهني في آسيا والمحيط الهادئ (APCDA).

في مقابلة حصرية عبر الإنترنت، تحدث الخبير الدولي مع مجلة ”دليلك المهني“ حول التوجيه المهني في الولايات المتحدة وأفضل السبل لتجاوز التحديات المصاحبة لأزمة كوفيد- 19، كما قدم مجموعة من النصائح الثمينة للعاملين في هذا المجال، وكان الحوار كالتالي:

هل من الممكن أن تزود قراءنا بلمحة عامة عن نظام التوجيه المهني في الولايات المتحدة؟

في الولايات المتحدة، لا يوجد نظام حكومي مركزي أو إطار وطني للتوجيه والتطوير المهني كما هو الحال في العديد من الدول، وعوضًا عن ذلك هناك عدد من الأنظمة المتداخلة التي تقدم الإرشاد المهني. هناك بالطبع نظام إرشاد مهني في المدارس وآخر في الجامعات، كما ترعى الحكومة مراكز مهنية لدعم العاطلين عن العمل من العمال والموظفين، في حين تتوفر أمام الأشخاص أصحاب المهن فرص الاستفادة من خدمات مجموعة كبيرة من المدربين والمستشارين المهنيين. علاوة على ذلك، هناك نظام حكومي للتأهيل المهني يساعد الأشخاص ذوي الإعاقة في الالتحاق بالقوى العاملة.

ولكن كيف يتم التنسيق بين كل تلك الأنظمة؟

على الرغم من التاريخ العريق للتوجيه المهني في الولايات المتحدة، ما زلنا لا نملك اتحادًا مهنيًا يمثل جميع الأنظمة التي سبق وأن ذكرتها، وبالتالي فإن التنسيق بينها إما ضعيف أو غير موجود أصلً. الأمر في حاجة لتغيير، لأن الوضع الحالي يُضعف صوت أي نظام عندما يتعلق الأمر بالضغط على حكومات الولايات أو الحكومة الفيدرالية لتغيير السياسات المتعلقة بالتوجيه المهني.

كان لوباء كورونا المستجد تأثير كبير على التوظيف وسوق العمل، ما الذي يمكن أن يتعلمه العاملون في مجال التوجيه المهني من هذه الأزمة؟

أعتقد أن التأثير الأبرز لهذا الوضع كان على الصحة النفسية للكثير من الناس، فبعضهم فقدوا وظائفهم، والبعض الآخر أصبح يشعر بالخوف من فقدانها. كما اضطر معظم الناس للعمل من المنزل وهو ما يعني البقاء بمفردهم لفترات طويلة أو الحاجة للتعامل مع أفراد أسرتهم بشكل مختلف عما اعتادوا عليه في السابق.

لاحظنا حالات من القلق والاكتئاب، كما وصل الأمر إلى أن البعض تعرض لصدمات نفسية. كانت أزمة كوفيد- 19 فرصة جيدة لتذكير العاملين في مجال التوجيه المهني بأن عملهم لا يتعلق فقط بالإرشاد المهني، بل يعني أيضًا الاهتمام براحة الشخص النفسية ورفاهيته. من المهم أن يتفهم الجميع أن الهدف الأساسي من العمل هو أن تعيش حياة سعيدة. يجب ألا تهمل رفاهيتك. أعتقد أن العديد من المستشارين المهنيين كانوا يتجاهلون هذه الخطوة ويباشروا جلساتهم بمراجعة السيرة الذاتية أو الحديث عن التدريب المهني.

وما الذي يحتاجون لتغييره؟

بالطبع لا يمكن للمستشارين المهنيين معرفة ما ستؤول إليه الأمور عقب هذه الأزمة، كما أن البيانات الحالية المتوفرة عن الوباء وتأثيره الاقتصادي ليست كافية، وبالتالي من الصعب التنبؤ بالاتجاهات المستقبلية للوظائف. لذلك يتعين على المستشارين استخدام كل جلسة للتأكد من أن الصحة النفسية للشخص الجالس أمامهم تمكنه من القيام بعمله بشكل سليم. عليهم مساعدته في أن يبقى إيجابيًا وأن يتقبل حقيقة أن المستقبل لا يمكن التنبؤ به، وأن يتفهم قيمة عمله على مستوى أعمق وشخصي، ويدرك أن أي قرار متعلق بالعمل يؤثر على كل جوانب حياته وليس فقط على مسيرته المهنية.

وما هي نصيحتك للمستشارين المهنيين في المدارس؟

في البداية عليهم أن يدركوا أنه من الطبيعي أن يتعرض الطلاب لمخاوف على مدار حياتهم، وأن المخاوف أو الضغوط النفسية التي يتعرض لها طالب في المرحلة الابتدائية تختلف عن تلك التي يواجهها طالب في المرحلة الثانوية، وبالتالي عليهم اعتبار آثار أزمة كوفيد- 19 مجموعةً أخرى من المخاوف التي يختلف تعامل كل طالب معها بحسب سنه وخبراته. يحتاج المرشد أو المستشار المهني للربط بين هذه المخاوف والتطور المستقبلي للطلاب، كما يتوجب عليه مساعدة الطلاب في تفهم مخاوفهم والتعامل معها. وكما ذكرنا في السابق أهمية الرفاهية للأشخاص العاملين، يحتاج المستشارون لمساعدة الطلاب على اتباع أسلوب حياة أكثر رفاهية، من خلال القيام بخطوات بسيطة مثل اتباع نظام حياة صحي وممارسة الرياضة. لقد أصبح من الضروري أن ندرج مثل هذه الأمور في منهج التوجيه المهني.

كيف يمكن للمستشارين المهنيين التعامل مع تدخل الأسرة في القرارات المهنية لأبنائهم؟

لا أعتقد أن هناك أي مجتمع يمنح المرشد المهني أو المدرس حق التدخل في كيفية تربية الأهل لأبنائهم، لذلك فإن أفضل وسيلة للتعامل مع هذا الأمر هي تنظيم برامج تعليم اجتماعي موجهة للأهل توضح لهم تأثير القرارات المهنية على سعادة أبنائهم في المستقبل. يجب أن يعلم الأهل أن إجبار أبنائهم على مهنة معينة قد تعني مستوى مادًيا جيدًا، ولكنها لا تعني أن حياتهم ستكون سعيدة. من الجيد أن يتم تطبيق مثل هذه البرامج على المستوى الوطني أو المحلي، أو على الأقل على مستوى المدرسة.

أبرزت أزمة كوفيد- 19 الحاجة إلى مهن معينة، مثل المهن الطبية. هل ينبغي العمل على تعزيز هذه المهن عند التخطيط لسياسات التوجيه المهني على المستوى الوطني؟

لا ينبغي لنا استبعاد أو تعزيز خيارات مهنية بعينها بناءً على الاحتياجات الناتجة عن الوضع الحالي، كما لا ينبغي أن نجبر الطلاب أو نضغط عليهم لاتخاذ مسار لا يرغبون فيه. أفضل استراتيجية هي تذليل العقبات أمام الأشخاص الراغبين في اتخاذ هذه المسارات المهنية.

وما هي نصيحتك للطلاب الجامعيين الذين يدرسون مجالً تأثر سلبًا بالأزمة الحالية ويشعرون بالقلق إزاء مستقبلهم؟

أمام هؤلاء الطلاب واحد من ثلاثة خيارات: الأول هو الالتزام بالمسار المهني الذي اختاروه مع الوضع في الحسبان أن العثور على وظيفة قد يستغرق وقتًا أطول من المتوقع، والثاني هو تأجيل الدراسة لعام أو اثنين، أما الثالث فهو تغيير المسار واختيار تخصص مختلف يرى أن مستقبله سيكون أفضل. في جميع الحالات على الطالب اتخاذ القرار بنفسه وعلى المرشد المهني دعمه، ولكن قبل ذلك  عليه أن يساعده في التخطيط بشكل سليم وتحليل كل خيار وتقييمه جيدًا حتى يصل الطالب إلى مرحلة يشعر فيها بالثقة قبل اتخاذ القرار والمضي قدمًا. لا يستطيع المستشارون معرفة كيف سيتطور الوضع؛ لكن بقليل من البحث وبعض الاختبارات من الممكن أن يكونوا قادرين على توضيح كل الخيارات للطالب من خلال 3 أو 4 جلسات.

ولكن ألا يعتبر اختيار التأجيل مخاطرة؟

لا، إذا وضع الطالب خطة جيدة لتنمية مهاراته واكتساب مهارات جديدة أثناء فترة التأجيل من خلال الدراسة أو العمل، سيضمن الاستمرار في تطوير نفسه قبل العودة للمسار المهني الذي اختاره في السابق.

هل يمكن أن تكون الاستشارات المهنية عبر الإنترنت فعالة مثل تلك التي يحصل عليها الشخص من خلال مقابلة شخصية أو جلسة جماعية؟ ليست لدينا حتى الآن بيانات أو أبحاث كافية للإجابة على هذا السؤال بشكل حاسم، فالوضع الحالي تم فرضه على العالم بشكل مفاجئ، وما زلنا في مرحلة مبكرة. لا بد أن هناك تعديلات ستجرى على بيئة تقديم الاستشارات المهنية عبر الإنترنت عندما نعرف المزيد عنها. أتوقع بقدر لا بأس به من اليقين أننا قد نحتاج في المستقبل لتوفير خدماتنا عبر الإنترنت بشكل أكبر مما اعتدنا عليه في الماضي.

في السنوات الأخيرة، شهدنا أيضًا زيادة في تطبيق تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي في مجال الإرشاد المهني. هل تعتقد أن التكنولوجيا سيكون لها تأثير أكبر على هذا المجال في المستقبل؟

أعتقد أن هذه التقنيات ستتطور وستكون أكثر فاعلية بمرور الوقت، إذ توجد بالفعل حاليًا تقنيات تدريب عبر الإنترنت تعمل بالذكاء الاصطناعي بشكل جيد للغاية، لدرجة أن المستخدمين قد يجدون صعوبة في معرفة ما إذا كانت الخدمة تقدم لهم بواسطة إنسان أم جهاز. لكن في نهاية المطاف أعتقد أن العنصر الإنساني هو ما يهم حقًا عندما يتعلق الأمر بتقديم خدمات التوجيه المهني. علينا كعاملين في هذا المجال أن ندرك أن التكنولوجيا سوف تتطور، وإذا ثبت أنها ذات كفاءة جيدة وتكلفة أقل فقد تعتمد عليها الحكومات والشركات، لذلك علينا أن نجتهد في إجراء الأبحاث والعمل على تعزيز الجوانب التي تحتاج للعنصر الإنساني ولا يمكن للذكاء الآلي تقديمها.

للتعرف أكثر على مسيرة الدكتور برايان هاتشيسون يمكنكم زيارة موقع www.globalcareerguy.com الذي يقدم من خلاله مجموعة من الخدمات والبرامج المتعلقة بالتوجيه المهني والتدريب والتعليم.