فخ الغيرة المهنية: ما هي؟ وكيف تتخطاها؟

قد يشعر البعض بدرجة ما من الغيرة إزاء نجاح الآخرين، ويغدو هذا الشعور طبيعيًا في سياق عالم العمل والتنافس المهني؛ لكن تحول شعور الانزعاج المؤقت إلى غيرة مزمنة وضيق مستمر ينعكس على صاحبه ويؤثر سلبًا على صحته النفسية وأدائه في العمل.

تنبع الغيرة المهنية في جوهرها من مقارنة وضع الشخص في العمل مع وضع زملائه أو أقرانه، وافتراض أنهم في حالٍ أفضل منه أو يتنعمون بنجاحٍ لم يحظ به. وتنتج تلك الافتراضات خليطًا من المشاعر السلبية، أهمها الشعور بالتقصير والخجل إلى جانب الإحساس بالظلم وجرح الكبرياء.

ويمكن أن تظهر الغيرة المهنية بأشكال مختلفة، كشعور الشخص بالغيظ أو الاستياء من زميلٍ حصل على ترقية مؤخرًا، أو من صديقٍ حصل على وظيفة أحلامه، بينما هذا الشخص في عملٍ ليس راضٍ عنه أو محبط نتيجةً فشله في تحقيق أحلامه مثل زميله. في خضم تلك المشاعر يصعب الاحتفال بنجاح من حولك في ظل الظن بأن الفرص التي اغتنموها انتزعت من الشخص انتزاعًا رغم أن وظيفة الأحلام قد تكون قاب قوسين أو أدنى منه! وبالتالي يشعر المرء بعدم الكفاءة وقلة الاحترام للذات، كما ترتفع مستويات القلق والتوتر بشكل كبير، الأمر الذي يؤدي إلى المزيد من الإحباط والتباطؤ المهني.

وتعد أكبر التحديات التي يواجهها الأفراد عند معالجة موضوع حساس كالغيرة المهنية، أن ذلك العرض يظل حبيس الأنفس ولا يُجهر به، حيث لا يسهل الاعتراف بالغيرة من زميل ما بسبب إنجاز أحرزه أو علاوة استحقها. ولذلك تستمر تلك المشاعر بالتفاقم، ويتزايد أثرها السلبي على صحة الفرد النفسية وأدائه الوظيفي.

ولا يعني ما سبق أن يستسلم المرء لها؛ فإليك بعض النصائح التي يجب اتباعها للتحكم بالغيرة المهنية وإبقائها في إطار التنافس الودي الحميد الذي يشجع على النمو:

  • تصالح مع مشاعرك: إن اعترافك لنفسك بأنك تشعر بالغيرة المهنية هو أول خطوة للتعامل معها. لا تحاول إنكار هذه المشاعر أو قمعها، فذلك لا يفيد إلا في مفاقمتها. تقبل بدلًا من ذلك أنه من الطبيعي أن تشعر بالغيرة أحيانًا، وأن هذه المشاعر تراود الجميع في مرحلة أو أخرى من مسيراتهم المهنية.
  • حدد منابع غيرتك: حاول أن تعرف الأسباب الصريحة لمشاعرك هذه: هل هي بسبب حصول زميل لك على ترقية كنت تعمل لأجلها؟ أم لأنك تشعر أنك لا تحرز تقدمًا مهنيًا يتناسب مع طموحاتك؟ يمكن أن يساعدك تحديد الأهداف الحقيقية وراء مشاعرك السلبية على فهم السبب الجذري ورائها، وبالتالي التعامل معه بالشكل الصحيح والفعال.
  • أعد توجيه أفكارك السلبية: لا تركز على ما تفتقد إليه ويمتلكه آخرون غيرك، بل حاول أن تجد زاويةً إيجابيةً لما تشعر به من إحباط. فإذا نال زميلٌ لك ترقيةً كنت تريدها، استعض عن التفكير بأنك خسرت الترقية بأن تركز على ما يجب أن تطوره وتتعلمه من مهارات ومعارف لتنال الترقية المقبلة مثلًا.
  • احتفل بنجاحات الآخرين وإن كنت تشعر بالغيرة المهنية: عندما يحقق شخصٌ آخر نجاحًا ما حاول الاحتفال معه بصدق. قدم له التهاني وعبر عن حماسك لإنجازاته وشاركه فرحته، فقد يساعدك ذلك على تطوير علاقات مهنية إيجابية مع زملائك تعزز ودية بيئة العمل، ما يجعلها أكثر دعمًا لنموك ونمو زملائك!
  • اعتن بنفسك واحرص على صحتك النفسية والجسدية: إن الاعتناء بالنفس خطوةٌ بالغة الأهمية في الحفاظ على الصحة النفسية وفي التحكم بالآثار السلبية للغيرة المهنية. مارس الأنشطة التي تساعدك على الاسترخاء، وحاول الحد من الإجهاد في مكان العمل وتحسين مزاجك في بيئة العمل.
  • لست وحدك! اطلب العون: قد يساعدك أن تتحدث مع من حولك عما تشعر به. اختر صديقًا موثوقًا أو فردًا من عائلتك، أو استعن بالمتخصصين في الصحة النفسية ليساعدوك على تجاوز الإحباط والمشاعر السلبية التي تشعر بها عبر الاستماع لك ومساعدتك على تطوير استراتيجيات التأقلم الصحيحة.

وعمومًا، الغيرة المهنية عاطفةٌ طبيعية طالما بقيت ضمن حدود التنافس المهني؛ لكنها قد تتحول إلى شعور مؤذٍ يسيء للصحة الجسدية والنفسية، ويعيق التقدم المهني. لذلك من الضروري الاعتراف بوجودها، والتعامل معها بالشكل الصحيح وفق النصائح المذكورة أعلاه، ليتمكن المرء من إعادة توجيه أفكاره ومشاعره إلى سياقٍ أكثر إيجابية يعود عليه وعلى المحيطين به بالفائدة. ولنتذكر دومًا أن رحلة كلٍ منا في هذه الحياة تختلف عن الآخر، وأن قيمتك لا يحددها المسمى الوظيفي أو مقدار الراتب الشهري؛ فالنجاح له أشكال عديدة! ولا بأس بتذكر إنجازات الأقران والاحتفال بها والسعي لتحقيق ما يوازيها، لكن يجب أيضًا أن يفخر الشخص بإنجازاته الفريدة وأن يركز على نموه الشخصي وتطوره في مساره المهني، لينعم بمسيرة مهنية ناجحة، وحياة شخصية راضية وصحية!