التخطيط لمسارك المهني

نجاحك في مسيرتك المهنية يعتمد على التخطيط والفرصة، لكن إن أحسنت التخطيط فالفرص آتية لا محالة.

لا تمثل وظيفتك ومسارك المهني الشيء ذاته، رغم أنهما بالطبع مرتبطان ارتباطاً وثيقاً، ذلك أن وظيفتك هي ما تقوم به حالياً، أما مسارك المهني فهو الدرب الذي تسلكه طوال حياتك العملية. ويتألف المسار المهني من سلسلة من الوظائف والإنجازات التي تحققها في كل وظيفة، لتشغل مسيرة حياتك بدءاً من وقت تخرجك في الجامعة، وحتى وقت تقاعدك. إنها رحلة، شأنها في ذلك شأن أي رحلة، تقتضي منك استهلالها بخريطة محددة المعالم قبل الشروع فيها، وهذا لا ينافي إمكانية استكشاف طرق جديدة وشيقة لتسلكها اثناء رحلتك.

معظم من يقرأون هذه المجلة هم في بداية رحلتهم، يحاولون اختيار مقصد ينشدونه، وتقرير أي طريق ينبغي لهم أن يسلكوها للوصول إلى هذا المقصد. وما لم تكن من هذه القلة المحظوظة التي تمتلك الشغف بمهنة معينة والقدرة على السعي لتحقيق هذا الحلم، فقد يصعب عليك فك طلاسم الخيارات المتاحة، غير أنه من حسن الطالع أن هناك خطوات محددة يمكن أن تساعدك في اتخاذ أفضل قرار ممكن.

لا شك أن مفتاح التخطيط لمسيرتك المهنية هو أن تفهم نفسك وتستوعب الخيارات المتاحة أمامك، ثم تعمل على التوفيق بين الأمرين لترسم معالم الطريق التي تود المضي فيها. إن هدفك الأسمى ليس الوظيفة التالية التي تتقدم للالتحاق بها، بل الوظائف التي تليها مستقبلاً. ويعتمد تحقيق طموحك بعيد المدى على التعليم والخبرة التي تحظى بها، لذا فكّر في المستقبل وتخيل المقصد الذي ترنو إليه، وخطط لكيفية الوصول إليه من موقعك الحالي.

وتتمثل الخطوة الأولى في أن تتعرف على نفسك: مواطن قوتك وقيمك واهتماماتك وطموحاتك، ثم يلي ذلك إجراء بعض الأبحاث عن الوظيفة التي اخترتها. احرص على معرفة أكبر قدر ممكن عن الطابع الفعلي والسمات الحقيقية لهذه الوظيفة، وحدد ما إذا كانت بالفعل الوظيفة المناسبة لك. وختاماً، اطلب النصح من المتخصصين، ويمكن لمركز قطر للتطوير المهني أن يساعدك في ذلك. وقد يكون هناك خيارات أو أنظمة تدريب أخرى متاحة لا تعلم عنها شيئاً، أو لم تدرسها. ومن المفيد كذلك أن يكون لديك شخص محايد يمثل صوت العقل، حتى تتحقق مما إذا كنت على صواب فيما تقوم به.

وسعياً إلى مساعدتك في بدء مسيرتك، قمنا بإعداد سلسلة من نقاط التوجيه التي تهدف لمساعدتك في تقييم ذاتك وسوق العمل. وإذا اتبعت هذه النقاط سيكون بمقدورك مضاعفة فرصك في الوصول إلى ما تريد.

  • مواطن القوة والضعف:

قم بإعداد قائمة بجميع الأشياء التي تعتقد أنك بارع فيها، واكتبها بسرعة قدر المستطاع، ثم كرر هذا التدريب بالنسبة لأي شيء تعتقد أنك غير بارع فيه.

ويجب أن تشمل القائمة التي تُعدها المواد الدراسية، كالرياضيات أو أي مجال محدد من مجالات العلوم، التي تمثل أساساً قوياً لمسيرتك المهنية كالعمل في مجال الهندسة مثلاً، في حين قد يشير حصولك على درجات جيدة في مجال مثل الأحياء إلى أن المسيرة المهنية في المهن الصحية قد تكون مناسبة لك. أما براعتك في الرياضيات وحدها دون العلوم فقد تؤدي إلى مسيرة مهنية ناجحة في المجالات المالية وعلى النقيض، إذا لم تكن قوياً في مواد الرياضيات والعلوم بقدر قوتك في المواد الإنسانية، فقد ترغب في التوجه نحو مسار مهني تشمل سماته الأساسية القدرة على التفكير في المشكلات، والتفاعل مع المعلومات وتفسير النقاط المهمة. وهذا هو الوضع في العديد من المهن التي تمهد لك الطريق إلى مستويات الإدارة العليا، سواء في القطاع العام أو الخاص.

كذلك ينبغي لك أن تفكّر في مواطن قوتك خارج قاعة الدراسة. فعلى سبيل المثال، إذا كنت متميزاً في التعامل مع الأطفال، فسيكون التدريس أحد الخيارات المتاحة أمامك، أما إذا كنت اجتماعياً وتحب التحدث إلى الناس، فستكون أي وظيفة تحتوي على مستوى مرتفع من التفاعل الشخصي مرضية لك. وعلى النقيض، إذا كنت خجولاً، فقد تبرع في وظيفة يمكنك خلالها التركيز على عملك دون قضاء وقت طويل في التحدث إلى الآخرين.

  • الأشياء التي تستمتع بها:

يعد هذا التدريب مماثلاً لتدريب مواطن القوة والضعف، غير أن التدريب يشمل هذه المرة قائمة بالأشياء التي تحب القيام بها.

ينبغي أن تراعي المواد الدراسية في القائمة التي تعدها بشكل جزئي، فقد تكون ماهراً في الرياضيات، لكنك لا تستمتع بها. وفي هذه الحالة، فإن أي وظيفة تشتمل على موهبتك الأكاديمية قد تكون مناسبة، لكن هذا لن يكون صحيحاً إذا كان العمل معتمداً اعتماداً قوياً على الرياضيات. ومن ثم، إذا ركزت جهدك في مسيرة مهنية لا تشمل الاشياء التي تبرع فيها فحسب، بل تشمل ايضاً الأشياء التي تستمتع بها، فغالباً ما ستجد مسيرة مهنية تستمتع بها وتشعر بالحماس حيالها، ولا شك أن الحماس عامل مهم في النجاح المهني.

وتمثل الأشياء التي نقوم بها خارج نطاق المدرسة جانباً مهماً من هذا التدريب، ففي حين لا يستطيع معظم الناس تحويل هواياتهم إلى مسيرة مهنية، فإن من المجدي دوماً البحث عن خيارات نرى فيها نوعاً من التقاطع بين الهوايات والمسيرة المهنية. وعلى سبيل المثال، إذا كنت تستمتع بالرياضات البحرية، يمكنك التفكير في الانضمام إلى القوات البحرية أو الشرطة البحرية.

  • المهن المحتملة:

قم بإعداد قائمة بكل الوظائف والمسارات المهنية والمهن والشركات التي يمكنك التفكير فيها وتعتقد أنك ستستمتع بالعمل فيها.

ويشمل الجزء الأول من تدريب العصف الذهني هذا، أن تعدّ قائمة بكل الخيارات التي قد تكون موجودة بالفعل في ذهنك. أما الجزء الثاني فهو أن تبحث بشكل نشط عن أفكار جديدة، بالبحث في شبكة الانترنت. أعد النظر في قائمة الأشياء التي تبرع فيها والتي تستمتع بها، واكتب هذه الأشياء مع كلمات “وظيفة” و”مسار مهني” في أحد محركات البحث عبر الانترنت. وعند تأمل نتائج البحث، ستجد مواقع توظيف من كل أنحاء العالم تعرض إعلانات عن وظائف ذات صلة بالمعايير التي أدرجتها في قائمتك. ابحث في هذه المواقع لتحديد وظائف تعتقد أنك ستستمتع بها وتجدها مرضية لك واحفظ النتائج على حاسوبك حتى يتسنى لك الرجوع إليها مستقبلاً.

وبالإضافة إلى قائمتك الخاصة، يمكن استشارة مستشاري التوجيه المهني بشأن الخيارات المتاحة، وسيساعدك مركز قطر للتطوير المهني في هذا الأمر بكل تأكيد.

  • هل هذه الوظيفة في دولة قطر؟

قم بإعداد قائمة تتضمن جميع جهات العمل التي يمكنك العثور عليها في السوق المحلية ممن هم بحاجة إلى المهن التي حددتها.

وبافتراض أنك ترغب في تأسيس مسارك المهني في دولة قطر، فمن الأهمية بمكان أن تتأكد أن خياراتك لهذا المسار واقعية وتتناسب مع السوق المحلية. وحتى يتسنى لك ذلك، ينبغي أن تجري بحثك الخاص عن المؤسسات، في الحكومة أو القطاع الخاص، التي توفر المسارات المهنية التي حددتها. ورغم ما تشهده دولة قطر من تطور سريع، إلا أن هناك بعض المجالات كالنفط والغاز التي تمثل كبرى جهات العمل في البلاد. فإذا كنت مهتماً بالهندسة، فإن التخصص في أحد المجالات المرتبطة بهذه الصناعات سيوفر لك إمكانات عظيمة ومسارات محددة لدخول هذه المجالات. وإذا كنت مواطناً قطرياً، فهناك مجالات محددة، وبخاصة في القطاع الحكومي والمؤسسات الكبرى العاملة في القطاعات الأساسية، من شأنها أن توفر لك فرصاً ومزاياً لا تستطيع معظم الشركات العاملة في القطاع الخاص تقديمها. أما بالنسبة للمواطنين الأجانب المقيمين في دولة قطر، فهناك فرص عديدة يتيحها ذلك النمو الذي تشهده البلاد، وهي توفر لك المهارات والخبرات التي تساعدك في بدء مسيرتك المهنية في دولة قطر، أو نقل خبراتك إلى دول أخرى إذا رغبت في ذلك مستقبلاً.

ولعلك تعرف سلفاً بعض أسماء جهات العمل المحتملة، لذا قم بتسجيلها، واضف إليها أسماء الشركات الأخرى التي تراها مذكورة على اللافتات أو في الإعلانات أو في وسائل الإعلام، وبادر بسؤال أصدقائك ومعارفك عنها.

ومجدداً، يمثل الانترنت أداة بالغة الأهمية في هذا الأمر. قم بدمج المهن أو القطاعات التي تحظى باهتمامك مع كلمة “قطر” في أحد محركات البحث عبر الانترنت، وستحصل حينئذٍ على مجموعة من النتائج التي تشمل المواقع الالكترونية للتوظيف ومقالات من وسائل الإعلام، بالإضافة إلى المواقع الالكترونية للشركات ذاتها. احرص على حفظ أي نتائج ذات صلة قد يسفر عنها بحثك، ثم أتبع ذلك بالبحث عن أسماء أي شركات أو مؤسسات معينة حددتها. اقرأ أي معلومات تجدها، وسجل بيانات الاتصال.

وختاماً، يمكنك الاتصال بالمؤسسات ذات الصلة لمناقشة الفرص الوظيفية التي تقدمها. ولا شك أن معظم إدارات الموارد البشرية تمتلك معرفة جيدة باحتياجاتها الحالية والمستقبلية وستقدم لك نصائح مفيدة إذا طلبتها. كما أن بمقدور هذه الإدارات إخبارك بأي متطلبات محددة للالتحاق بهذه الشركات، مثل أقل مستوى تعليمي مطلوب، وينبغي لك أن تسأل عن هذا الأمر وتدونه.

  • قائمتك الموجزة:

قم بتقليص القائمة الأولية التي توصلت إليها إلى قائمة أكثر انتقائية للمسارات المهنية التي تلبي كل المعايير التي وضعتها لنفسك.

وللقيام بذلك، ينبغي أن تلقي نظرة على نتائج كل التدريبات السابقة. ومع مراعاة كل المعلومات التي جمعتها، بما في ذلك المواد التي حصلت على درجات جيدة فيها أثناء دراستك المدرسية، والاشياء التي تستمتع بها، والحاجة إلى مهن أو قطاعات بعينها في دولة قطر، اختر تلك الوظائف التي غالباً ما ستمنحك الرضا عن عملك، وتوفر لك فرصاً للحصول على مسيرة مهنية ناجحة. قم بإعداد قائمة بهذه الوظائف.

إن مدى طول قائمتك تحديداً أمرٌ يرجع إليك. غير أنه إذا كانت هذه العملية قد قدمت لك فكرة واضحة عن طموحاتك، فقد يكون بين يديك الآن قائمة تضم مهنتين أو ثلاث مهن فقط. بل ربما يظهر لك مسار مهني واحد بوصفه المسار المثالي. غير أنه إذا كانت هذه المهنة طموحة بصفة خاصة، فمن الحكمة أن تظل منفتحاً على باقي الخيارات، إذ ربما لا تحصل على الدرجات المطلوبة لهذه المهنة. وكذلك قد تكون لا تزال غير متيقن من أهدافك، وتحتاج إلى الإبقاء على عدد أكبر من الخيارات الفعالة. ومع هذا فإن هذه العملية ستوفر لك فهماً أوضح للاتجاه الذي ينبغي لك أن تسلك، حتى إن لم يمكن لك هدف محدد بعد.

  • تلبية المتطلبات:

حدد متطلبات الالتحاق بالمهن التي أدرجتها في قائمتك، وحدد ما ينبغي لك القيام به لتلبية هذه المتطلبات.

ويجب أن تعلم أن كل المسارات المهنية وكل الوظائف التي سيتكون منها مسارك المهني لها متطلبات التحاق محددة. وربما تتمثل هذه المتطلبات أحياناً في أقل عدد من سنوات الخبرة، وفي هذه الحالة ينبغي أن تحدد وظائف ذات مستوى أقل توفر مساراً يقودك إلى هدفك النهائي. غير أنه في معظم الحالات، ستكون هناك متطلبات تعليمية وتدريبية، ومن ثم يجب أن تصبح هذه المتطلبات هدفك القريب بعد إنهاء دراستك. وهناك العديد من الخيارات في هذا الصدد، من بينها شهادات التعليم الفني والتكميلي وغيرها من أنواع التدريب المهني، إلا أن أكثرها قيمة هو الحصول على مؤهل جامعي.

عد إلى إعلانات الوظائف التي قمت بحفظها من بحثك السابق، وادرس تلك الإعلانات التي تناسب المهن الواردة في قائمتك الموجزة. وغالباً ما ستجد هذه الإعلانات تذكر المؤهلات والخبرات المطلوبة لهذه الوظيفة، بما في ذلك المعايير بالغة الأهمية وتلك المستحبة. انتبه بشكل خاص إلى المتطلبات التعليمية ومتطلبات الوظائف الأساسية إذ إن هذه المتطلبات ستمثل العناصر التي تحتاج إلى إدراجها في سيرتك الذاتية للحصول على الوظيفة التي تمنيتها في البداية، وفي بعض الإعلانات، قد يُذكر مؤهل جامعي بعينه كأحد المتطلبات، وهو ما سيوجهك نحو دورات محددة ينبغي أن تلتحق بها. وقد تكتفي بعض الإعلانات الأخرى بطلب أي مؤهل جامعي، وفي هذه الحالة تستخدم جهة العمل الدرجة العلمية كمعيار هام للذكاء والقدرة، بدلاً من المهارات المهنية المحددة التي يقدمها هذا المؤهل. ولا شك أن هذا سيمنحك مزيداً من المرونة في اختيار المؤهل، غير أن الأمر يستحق دوماً أن تضع إمكانية التوظيف في اعتبارك، إلى جانب كيفية الاستمتاع بدراستك الجامعية. وتجدر الإشارة إلى أن جهات العمل تبحث دوماً عن سمات معينة، كالقدرة على تحليل المعلومات والتعبير عن الأفكار، لذا ينبغي أن تراعي ذلك عند اختيار التخصص الدراسي.

  • تقديم طلبات الالتحاق بالوظائف:

بمجرد ن تحدد مسارك المختار وتضمن تلبية متطلبات الالتحاق بالوظيفة، يحين وقت التقدم للالتحاق بها.

وينبغي أن تعلم أن طلبات الالتحاق بالوظائف تأخذ منك وقتاً وتفكيراً، إذ ينبغي أن تكتب سيرة ذاتية ملفتة وخطاباً افتتاحياً، وأن تحدد الوظائف الشاغرة وأن تتقدم إليها، وأن تتقن فن إجراء المقابلات الشخصية وتتعلم كيف تظل حاضراً في ذهن من أجروا المقابلة الشخصية عند اتخاذهم قرار التوظيف. وختاماً، نود أن نؤكد أن هذه عملية مهمة أوردناها كدليل مستقل للباحثين عن وظائف، نقدم من خلاله نصائح تفصيلية عن كيفية حصولك على الوظيفة التالية، وقيامك بالخطوة التالية على درب مسيرتك المهنية.