أولياء الأمور: الخط الأول في بناء قدرات أجيال المستقبل

بمناسبة اليوم العالمي للوالدينأولياء الأمور: الخط الأول في بناء قدرات أجيال المستقبل

في عالم اليوم سريع التغير والغني بالخيارات المهنية المتنوعة، تحتل التطلعات الشخصية مركز الصدارة في عملية اتخاذ القرار المهني، ويكرس أولياء الأمور أنفسهم بتفانٍ لمساعدة أطفالهم على تحديد ميولهم الشخصية والانطلاق في مسيرة نموهم المهني.

 وتؤكد الأبحاث باستمرار على أن دور الوالدين كمرشدين مهنيين بات أكثر أهمية من أي وقت مضى، فلطالما كان أولياء الأمور هم المؤثرون الأساسيون في حياة أطفالهم، ويمكن أن يؤثر دعمهم وتوجيههم بشكل كبير على التطور المهني لأطفالهم. 

وانطلاقًا من قناعتنا التامة بأهمية هذا الدور، يهنئ مركز قطر للتطوير المهني عبر هذه السطور أولياء الأمور حول العالم، ويسلط الضوء على أهمية مشاركة الوالدين في تشكيل المسارات المهنية لأطفالهما، وسنتعمق سويًا في الديناميكيات المعقدة التي يقتضيها تحقيق التوازن بين تربية الأطفال والنجاح المهني وأهمية تقديم الأهل نماذج إيجابية لأطفالهم ودعمهم عبر البدء بمسار تطورهم المهني مبكرًا، وسنقدم كذلك مجموعة من النصائح والموارد التي جمعها خبراؤنا لمساعدة أولياء الأمور على النمو المهني الفعال وفي توجيه أطفالهم مهنيًا في آن واحد.

يتبوأ الوالدان مكانة فريدة في حياة أطفالهما كموجهين موثوقين ونماذج يحتذى بها. ويوفر توجيههما ورعايتهما أسسًا متينة لرحلات أطفالهم المهنية، كونهما وجهة الأطفال الأولى للحصول على المشورة بأبسط وأعقد أشكالها.  كما يلعب أولياء الأمور دورًا مركزيًا في ملاحظة ميول أبنائهم ومهاراتهم، ودفعهم لاستكشاف اهتماماتهم ونقاط قوتهم، واتخاذ القرارات المهنية والأكاديمية المستنيرة والتي تناسبهم.

ومن المعروف أن الطلبة الذين يتلقون دعمًا وإرشادًا مستمرين من آبائهم يكون لديهم طموحات مهنية أعلى، ويتميزون بأداء أكاديمي أفضل، ورضا وظيفي أكبر من أقرانهم. وحول طبيعة الدعم الذي يمكن لأولياء الأمور تقديمه، فإن أهم أشكاله هو تأمين بيئة داعمة للأطفال تشجع على التواصل المفتوح والاستكشاف، كما يمكن للوالدين الانخراط في حوار منتظم مع أطفالهم حول تطلعاتهم واهتماماتهم وأهدافهم، ما يساعدهم على اكتساب منظور واقعي نحو قدرات أبنائهم وتقديم النصح متى استلزم الأمر.

إلا أن التوجيه المهني الفعال للأبناء يقتضي أولًا أن يقدم الوالدان قدوة إيجابية لأطفالهم، سواء من حيث خياراتهم المهنية أو تحقيقهم لتوازن صحي بين العمل والحياة الخاصة. فالأبناء عامةً يقلدون تصرفات آبائهم وسلوكياتهم، مما يتيح للوالدين تشجيع الأطفال نحو تحقيق أحلامهم بحماس والتزام من خلال إظهار شغفهما وتفانيهما نحو المهن التي اختاراها. كما يمكن للوالدين أن يبرهنا على صبرهما في مواجهة التحديات، وأن يغرسا أخلاقيات العمل القويمة في أطفالهم في سن مبكر، وأن يعلماهم أهمية المثابرة والعمل الجاد.

علاوة على ذلك، يتعين على أولياء الأمور عامةً تجسيد مثالٍ صحيح في الحفاظ على توازن صحي بين العمل والحياة. فالموازنة بين المسؤوليات المهنية والحياة الخاصة ترسل رسالة واضحة إلى الأطفال حول أهمية إعطاء الأولوية للرفاه الشخصي والصحة النفسية، وتعزيز العلاقات الأسرية الهادفة، وتطوير اهتمامات خارج إطار العمل. ويشكل الآباء الذين يمارسون هواياتهم، ويقضون وقتًا ممتعًا مع أطفالهم، ويعتنون بصحتهم النفسية والجسدية، مثالًا ملهمًا لأطفالهم في خلق الانسجام بين التطلعات المهنية والرفاه الشخصي.

وإدراكًا منا في مركز قطر للتطوير المهني لدور أولياء الأمور الحيوي في توجيه أبنائهم، نوفر باستمرار تشكيلة واسعة من المبادرات والموارد المصممة لتزويدهم بالمعرفة والأدوات اللازمة للتوجيه المهني الفعال. وأهم هذه الموارد هي مجموعة الألعاب المهنية، وهي أداة تعليمية ترفيهية مبتكرة تعتمد على عامل المتعة والتنافس في إثارة الفضول المهني لدى الأطفال في سن مبكرة، وتشجيعهم على طرح أسئلتهم حول مفاهيم الحياة المهنية على أولياء أمورهم، ما يفتح الباب واسعًا للأهل ليشاركوا في الحوار ويوجّهوا أطفالهم بالشكل الصحيح.

كما يقدم مركزنا لطلبة المرحلة الثانوية الذين أوشكوا على الالتحاق بالتعليم الجامعيدليل التخصصات، وهو مرجعٌ فريد من نوعه في دولة قطر يحتوي قائمة شاملة لجميع التخصصات الجامعية وفرص التعليم العالي المقدمة داخل الدولة. كما يتضمن الدليل أقسام خاصة بمعلومات الاتصال بالمؤسسات التعليمية المختلفة، وأخرى تُعنى بالنصائح المهنية التي تعين الطلبة على التفكير بمستقبلهم المهني، واتخاذ القرار الأكاديمي المستنير الذي يصب نحو تحقيق طموحاتهم المهنية. ويضاف إلى ما تقدم تشكيلة كبيرة من البرامج التفاعلية التي تستهدف مختلف الفئات العمرية، والتي تعين أولياء الأمور على فتح أبواب الحوار مع أبنائهم، وعلى دفعهم قدمًا في رحلة تقدمهم المهني.

والآن بعد أن علمتم أهمية أن تقدموا لأبنائكم نموذجًا صحيًا للتوازن بين الحياة والعمل، إليكم بعض النصائح التي ستساعدكم في تحقيق ذلك:

اعتن بصحتك أولًا:

سواء كنا نتكلم عن الصحة النفسية أو الجسدية، يجب ممارسة الرياضة والهوايات المختلفة، والحفاظ على نمط حياة صحي في النوم والغذاء. ومن خلال الاعتناء بصحتك وتلبية احتياجاتك الشخصية، ستجد نفسك قادرًا على تلبية متطلبات الأبوة ومتطلبات التقدم المهني سوية.

ارسم حدودًا واضحة بين حياتك وعملك: 

حاول أن تفصل قدر الإمكان بين حياتك العملية وحياتك الشخصية. ابق زملائك ومديرك على اطلاع حول ساعات تواجدك في العمل وقيود وقتك خارجه بحيث تضمن بقاء وقت مخصص للالتزامات العائلية. تستطيع استخدم التكنولوجيا للبقاء على اتصال مستمر بالعمل، ولكن خصص أيضًا وقتًا كافٍ لأطفالك لا يقاطعه الهاتف.

لا تتردد في طلب الدعم: 

ابن لنفسك منظومة داعمة موثوقة تشمل العائلة والأصدقاء وشبكاتك المهنية. ثم اطلب الدعم منهم في أداء مسؤولياتك عند الحاجة. تعاون مع زوجك أو استخدم خدمات رعاية الأطفال من حضانات أو مربيات بما يتوافق مع أهدافك المهنية. تذكر دومًا أن طلب المساعدة وقبول الدعم ضروري لتجنب الشعور بالإرهاق.

أدر وقتك بالشكل الصحيح: 

إدارة الوقت هي التحدي الأكبر لأي أب أو أم. أدر وقتك بكفاءة من خلال تحديد أولويات المهام المختلفة وضع مواقيت وأهداف واقعية يجنبانك الكثير من الضغوطات. خطط جدولك الزمني آخذًا بعين الاعتبار مسؤولياتك العائلية، واستفد من الأدوات التكنولوجية مثل التقويمات وقوائم المهام في تنظيمه. إذا نجحت في ذلك، ستتمكن من تخصيص وقت وفير لكل من التزاماتك المهنية والأسرية.

التعلم مدى الحياة والتكيف مع تغيرات العمل: 

ابق على اطلاع حول آخر التطورات في مجال عملك، واستثمر في فرص التطوير المهني وبناء القدرات مثل ورش العمل والدورات التدريبية. فمن خلال تطوير مهاراتك ومعارفك باستمرار ستستطيع التقدم في عملك رغم الانشغالات الأسرية، وستجد لنفسك فرصًا عديدة للمضي قدمًا في مسارك المهني.

طور من مرونتك: 

من المهم امتلاك قسط من المرونة في اختياراتك المهنية وفي التعامل مع مسؤوليات العمل. اختبر قدرتك مثلًا على العمل عن بُعد، وجرب إن كنت تستطيع الوفاء بالتزاماتك عبر الدوام الجزئي.  إن لم تستطع، فيجب على الأقل أن تبق جداولك الزمنية مرنة وقابلة للتغيير باستمرار، وأن تحافظ على إنتاجيتك رغم تغيرها.

هل تمكنت من تحقيق توازن مثمر بين حياتك وعملك؟ شارك ما حققته مع أطفالك من خلال النصائح التالية:

شجعهم على الاستكشاف: 

ادفع أطفالك للتعرف على الخيارات المهنية المتنوعة المتاحة لهم، وساعدهم على استكشاف مختلف الصناعات والمهن والمعارف والمهارات المطلوبة للنجاح فيها. ويمكن أن يشمل ذلك تشجيعهم للالتحاق بفرص التدريب الداخلي أو العمل التطوعي، أو أن تأخذهم بنفسك إلى معارض التوظيف حتى.

نمِّ رغبتهم باكتشاف الذات: 

ساعد أطفالك على تحديد نقاط قوتهم واهتماماتهم وقيمهم الشخصية. وشجعهم على التفكير في شغفهم وفي المسارات المهنية الملائمة له. حيث يمكن أن يؤدي اكتشاف الذات إلى وضع خطط مهنية مبدئية وبسيطة تساعدهم في اتخاذ الخيارات الأكاديمية المناسبة لطموحاتهم.

وفر لهم فرص التواصل مع ذوي الخبرة: 

عرّف أطفالك على مهنيين ومختصين في المجالات التي يهتمون بها، سواء من حلقاتك المهنية أو من الأقارب والأصدقاء. فيمكن أن يوفر هؤلاء الأشخاص لأطفالك معلومات قيمة وإرشادًا يعينهم على تحديد أهدافهم الأكاديمية والمهنية، ويمكن أيضًا أن يوفروا لهم فرص التدريب الداخلي أو فرص العمل في المستقبل.

اغرس فيهم قيمة التعلم مدى الحياة: 

شجع أطفالك على تبني عقلية النمو، واغرس فيهم حب التعلم المستمر. فالتأكيد على أهمية اكتساب مهارات جديدة ومتابعة التعليم العالي يعطيهم القدرة مستقبلًا على التكيف مع التغيرات في سوق العمل أي كانت طبيعتها.

وفي الختام، يلعب الوالدين دورًا حيويًا كمرشدين مهنيين وناصحين، ونماذج يحتذى بها. ويشكلان معًا، وبالتعاون مع من حولهم، مستقبل أطفالهم الأكاديمي والمهني. ومن خلال توفير النصح المستمر، وخلق بيئة حاضنة داعمة، واستخدام الموارد المتاحة مثل تلك التي يقدمها مركز قطر للتطوير المهني، يمكن للوالدين تمكين أطفالهما من اتخاذ خيارات مهنية مستنيرة تتماشى مع تطلعاتهم وقيمهم، وتزويدهم بخارطة طريق تقودهم لحياة مهنية مرضية. لنحتفل إذًا بالوالدين وبدورهما العظيم في بناء إمكانات الجيل القادم من المهنيين الناجحين.