نانسي وانج “صاحبة القبعات المتعددة”

نانسي وانج ”صاحبة القبعات المتعددة“

قصة ملهمة ورؤية لمستقبل شمولي ومبتكر

ميدان التكنولوجيا والابتكار حافل بالقصص الملهمة واللافتة، واخترنا أن نشارككم منها قصة المهندسة نانسي وانغ، الرئيس التنفيذي ومؤسس جمعية دعم المرأة في التكنولوجيا، التي تجسد إصرار المبدعين الطموحين على تحقيق تطلعاتهم، ودورهم الإيجابي في تمكين الآخرين وتوفير عناء خوض تحديات من الممكن تجاوزها عبر التعاون والتعلم من أهل الخبرة.

مهندسة ماهرة، ومستثمرة فذة في مجال التكنولوجيا، ورئيسة تنفيذية سابقة في شركات عملاقة مثل أمازون وجوجل، قائمة من الأدوار التي أتقنتها نانسي وانج وشاركتنا تجاربها خلالها في لقاء خاص مع مركز قطر للتطوير المهني استعرضت فيه مسيرتها والتحديات التي واجهتها، وشغفها الذي تخطى حدود بيئة الأعمال والشركات.

تملك نانسي ثروة من التجارب، وتعرف عن نفسها بـ ”صاحبة القبعات المتعددة“، كنايةً عن إتقانها أدوارًا عدة في مختلف المجالات. فعلاوة على كونها مستثمرة في المشاريع الناشئة، تتألق وانج في مجالات حيوية شتى مثل البنى التحتية التكنولوجية، والحوسبة السحابية، وتقنيات الأمن السيبراني، وتطوير خدمات برمجية تحمي البيانات لكبرى الشركات والوكالات الحكومية العالمية.

وبعد حقبة مثمرة من العمل في شركات رائدة مثل أمازون وروبريك وجوجل، قررت نانسي تحويل مسارها المهني نحو مجال استراتيجي آخر وهو الاستثمار في التكنولوجيا؛ بل تعدى الأمر حدود ذلك عبر تأسيس منظمة غير ربحية مكرسة لتشجيع النساء وتمكينهن من تولي الأدوار القيادية في مجال التكنولوجيا، وتوجيههن نحو تحقيق كامل إمكاناتهن وطموحاتهن: ”جمعية دعم المرأة في التكنولوجيا“، استجابةً لجسر الهوة بين تمثيل الذكور والإناث في قطاع التكنولوجيا والناجمة عن تراجع أعداد النساء في الأدوار التنفيذية مع تقدمهن في مسيراتهن المهنية.

وتهدف الجمعية إلى تسليط الضوء على العقبات التي تواجهها النساء في التسلسل الهرمي للشركات التكنولوجية، وإنشاء بيئة حاضنة وداعمة للنساء في هذا المجال، وتقديم النصح والإرشاد للنساء العاملات، وتمكينهن من التواصل وتبادل المعارف والخبرات والموارد الأساسية المهمة لنموهن المهني، وتتميز الجمعية بأثرها الكبير واللافت، حيث ساعدت المصادر التي تتيحها عبر الإنترنت أكثر من 35 ألف متعلم ومتعلمة، وأحدثت فارقًا ملموسًا في تمثيل النساء بقطاع التكنولوجيا.

تجنبت نانسي عند تأسيسها جمعية ”دعم المرأة في التكنولوجيا“ قياس النجاح بناءً على عدد النساء اللاتي يدخلن مجال التكنولوجيا وحسب؛ بل تعتبره معيارًا مضللًا وغير دقيق لا يأخذ بعين الاعتبار تقدم تلك النساء في مساراتهن المهنية. وهو ما دفع الجمعية لقياس فعاليتها عبر مراقبة الأثر الذي تُحدثه على صعيد الترقيات، والزيادات في الرواتب، والشهادات على لسان النساء المستفيدات من خدمات الجمعية، وهو ما يحفزها على الاستمرار بعد أن تأكد نجاحه عبر دراسات الجدوى طويلة الأمد التي شملت خريجي برامج الجمعية منذ تأسيسها عام 2016.

وترى نانسي أن التطورات التكنولوجية المتسارعة التي يشهدها عالمنا اليوم أتاحت أدوات إضافية لمجابهة التحديات التي تواجهها النساء العاملات، خاصة في المجالات المرتبطة بتطور تقنيات الاتصال والذكاء الاصطناعي. واستنادًا إلى خبرتها، تقول وانج إن هذه التقنيات تجعل العمل عن بعد خيارًا ممكنًا وميسّرًا للعديد من النساء اللاتي قد يواجهن تحديًا بالعمل لساعات طويلة أو في مواقع نائية كالمهندسات مثلًا، وهو ما يمكنهن كذلك من التغلب على تلك العوائق مع احترام العادات والتقاليد الاجتماعية.

وبالمثل، تشدد نانسي على أهمية استثمار هذا التطور في تقنيات الاتصال بالاستفادة من التعليم عبر الإنترنت، والذي يوفر للمتعلمين المرونة الكافية والإمكانيات التي قد لا تتاح لهم في التعليم التقليدي، مما قد يفتح لهم آفاقًا جديدة وفرصًا أوسع للتطور في مساراتهم المهنية.

وتؤكد وانج على ضرورة أن يُتاح التعليم للجميع، لا أن يكون امتيازًا لفئة دون فئة، وتتجلى قناعتها تلك عبر دعواتها لجعل التعليم ”ديمقراطيًا“ حسب وصفها، وذلك بالتغلب على العوائق المفروضة على تشارك المعارف والخبرات، سواء ضمن المؤسسات التعليمية والشركات أنفسها، أو مع العالم الخارجي. ولعل ذكر الشركات الخاصة هنا قد يبدو غريبًا، إلا أن شركات التكنولوجيا العملاقة على سبيل المثال، أنشأت شبكات متطورة ومبتكرة لتشارك المعلومات والخبرات وآخر ما توصلت إليه العلوم بين موظفيها لرفع كفاءاتهم وتحسين قدرتهم على العمل، وتعتقد نانسي أن هذا النموذج يجب تعميمه والاستفادة منه خارج هذه المؤسسات.

وبالحديث عن دورها في مجال الاستثمار، سلطت نانسي الضوء على الدور الحيوي الذي يلعبه ما يُعرف برأس المال ”الجريء“، في تعزيز الابتكار، وهو وصف يُطلق على رجال الأعمال الذين يستثمرون في الشركات الناشئة في مراحلها الأولى، وتكمن أهميته في توفير الموارد المالية والدعم اللازم لتلك الشركات الناشئة، وتمكينها من النمو والمنافسة في قطاعاتها المستهدفة بين اللاعبين الكبار.

وكمستثمرة جريئة، ترى نانسي نفسها وسيلة لتمكين المبدعين من دخول عالم ريادة الأعمال من خلال تزويدهم بالتمويل وتشجيعهم على اتخاذ خطوات أكبر شيئًا فشيئًا في مشاريعهم، وهو دور من شأنه أن يمكّن المبدعين وفرقهم من تجسيد أفكارهم المبتكرة بغض النظر عن قدراتهم المالية. وبذلك، يكون رأس المال الجريء جسرًا يمتد لشرائح متنوعة من المجتمع يعزز قدرتهم على المساهمة، ويرسخ ثقافة الشمولية في الابتكار.

وعلى الصعيد الشخصي، تنسب نانسي نجاحها إلى الدعم العائلي والإرشاد من ذوي الخبرة الذين كان لهما الدور الأكبر في تشجيعها ونجاحها. ذلك بالإضافة إلى عزمها الراسخ الذي استندت إليه مرارًا خلال رحلتها، مما يؤكد ضرورة الجَلَد والصمود اللازمين للنجاح في عالم التكنولوجيا التنافسي.

رحلتها من مديرة لقسم خدمات الإنترنت في أمازون إلى مستثمرة ناجحة في مجال التكنولوجيا ومدافعة شغوفة عن حقوق المرأة تجسد قدرة العمل الجاد والتفاني على تحقيق النجاح. ومع ذلك، تنبه نانسي إلى أن هذه الرحلة قد تبدو للناظرين سهلة، وكل خطوة فيها ناجحة، إلا أنها ليست إلا سطورًا من قصة أكثر تعقيدًا.

وشاركت نانسي قناعاتها حول ”قوة العزيمة“ ومفهوم ”الفائدة المركبة“ مسترجعة خطابًا ألقته بمناسبة حفل تخريج في جامعة بنسلفانيا وكيف سخّرت ”قوة العزيمة“ في تجاوز تحدياتها الشخصية، بما في ذلك تلقيها 52 رفضًا قبل أن تحصل على وظيفة في شركة جوجل، وتحويل هذا الإصرار إلى استثمار تراكمي على الصعيدين الشخصي والمهني، مهد الطريق نحو النجاح على المدى الطويل.

وفي ختام حديثها، شجعت نانسي الطلبة الطموحين في دولة قطر على المضي قدمًا والاجتهاد في المجالات التي تشهد تناميًا سريعًا، مثل الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني وسائر المجالات المتعلقة بالبنية التحتية التكنولوجية المتطورة، ووجهت إليهم نصيحة قيّمة حول أهمية الشجاعة والمغامرة في اقتناص الفرص، وضرورة مواصلة رحلة التعلم المستمر لمواكبة التغيير.

وبينما تستمر صناعة التكنولوجيا في التطور، تظل الدعوة إلى إتاحة المجال للمواهب المتنوعة وتبني الشمولية في العمل ضرورية. وبوجود رواد مثل ضيفتنا المبدعة نانسي وانج في الطليعة هناك دائمًا أمل في مستقبل أكثر شمولًا وابتكارًا للجميع.

إن رحلتها في صناعة التكنولوجيا شهادة على ما يمكن تحقيقه عبر التحلي بالمرونة والعزيمة. من الإدارات الحيوية في أمازون وروبريك وجوجل، إلى جهودها الرائدة في الاستثمار الجريء وتمكين النساء، تلهمنا قصة نانسي ورؤيتها لمستقبل شمولي ومبتكر.