مقال رأي: مركز قطر للتطوير المهني يُمكّن الطلاب من شقّ طريقهم في الأوقات الصعبة

مقال رأي: مركز قطر للتطوير المهني يُمكّن الطلاب من شقّ طريقهم في الأوقات الصعبة

 إفروسيني  بارامبوتا

مسؤول أول للبرامج والخدمات المهنية في مركز قطر للتطوير المهني

تشهد المرحلة التي نعيشها اليوم عددًا من الاضطرابات والتحديات العالمية التي يواجهها الشباب، خاصة منذ انتشار جائحة كورونا (كوفيد-19) في العالم. ففي أغسطس 2020، أصدرت منظمة الصحة العالمية، دراسة استقصائية دولية أشارت فيها إلى أن هذه الجائحة قد تركت “تأثيرًا عميقًا ومنهجيًا وغير متكافئ على فئة الشباب، الذين باتوا اليوم أكثر قلقًا حول المستقبل، وموقعهم فيه”.

وعلى الرغم من أن دولة قطر قد أثبتت قدرتها على الصمود في وجه الحصار الجائر الذي فرضته عليها بعض دول المنطقة، حتى قبل انتشار الجائحة بوقت طويل، إلا أن ذلك لا ينفى أنه بات لدى الشباب اليوم شكوكًا أكبر تجاه حياتهم المهنية، وآفاق العمل المستقبلية.

 

ويصب مركز قطر للتطوير المهني اهتمامه بشكل أساسي على توظيف طلاب الجامعات؛ فهو موضوع رئيسي في أنشطتنا البحثية، كما أنه أحد الموضوعات الرئيسية التي يتم تناولها في مجموعات النقاش التي تنعقد على هامش “لقاء شركاء التوجيه المهني”، وهو لقاء متكامل لاجتماع شركاء التوجيه المهني في قطر تحت سقف واحد لمناقشة قضايا الإرشاد والتوجيه المهني في قطر. كما تم مناقشة هذا الموضوع أيضًا خلال عدد من ورش العمل والمبادرات التي نقدمها بالتعاون مع المؤسسات الأكاديمية والمنظمات غير الحكومية مباشرة.

وقد ناقشنا مؤخرًا تأثيرات هذه الجائحة ضمن فعالية “المقهى المهني” التي أطلقناها، حيث ناقشنا مع مجموعة من الطلاب والخريجين توقعاتهم وآرائهم حول الخدمات المهنية، خاصة أثناء انتشار جائحة كوفيد-19 وبعدها، والتغييرات التي يرغبون في إحداثها. كما أجرينا مجموعة من ورش العمل لطلاب الدراسات العليا في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة، بهدف التأكيد على أهمية خدمات التوجيه المهني وتقديمها.

وفقًا للاستجابات النوعية المسجلة من طلاب الدراسات العليا المشاركين، لم يشارك 56 في المائة منهم في أي خدمات مهنية سواء في المدرسة أو الجامعة أو أي مكان آخر. بالنسبة للسؤال عن مدى مشاركة الطلاب في عملية التوجيه المهني، قال 38 في المائة إنه “ليس كثيرًا”، وأفاد 38 في المائة أنهم شاركوا “إلى حد ما”، بينما لم يشارك 19 في المائة منهم على الإطلاق، فيما عبّر 6 في المائة عن تفاعلهم الشديد. وفيما يتعلق بخططهم المستقبلية عند إكمال دراستهم الحالية، أكد 33 في المائة من المشاركين أنهم سيبحثون عن عمل، فيما ينوي 22 في المائة منهم متابعة دراسة الدكتوراه، وكان 22 في المائة غير متأكدين وأجاب 22 في المائة منهم بـ “أخرى”.

وكانت النتائج المتداخلة والمتكررة مثيرة للقلق، إذ كشفت أن الموضوعات الرئيسية المستخلصة من الأنشطة البحثية التي أجريناها منذ عام 2015 لا تزال حقيقية للغاية، وأهمها: الافتقار إلى توفير التوجيه المهني على المستوى العام، ومحدودية الوعي المهني والثقافة التوجيهية، وأيضًا القصور الكبير في الوعي لدى طلاب الدراسات العليا، وغياب توقعات نمو سوق العمل لمدة 15 عامًا عند المعلمين وأرباب العمل، فضلًا عن النقص في توظيف الإناث وتنوعه.

وقد اتفق الطلاب من الدولة وخارجها على أن خدمات التوجيه المهني مهمة في الوقت الحاضر، حيث يفكرون في خطواتهم المستقبلية مع مراعاة حالة سوق العمل الناشئة، مشيرين إلى أن بناء المهارات الأساسية واعتماد نهج التعلم مدى الحياة يضيف قيمة هائلة. ومع ذلك، فإن العديد من الطلاب في قطر يفكرون في مواصلة تعليمهم ببساطة لتأجيل التعامل مع تحديات التوظيف. ولكن هل درجة الماجستير أو الدكتوراه هي الحلّ؟ مثل أي قرار كبير في الحياة، فإنه يتطلب قدرًا كافيًا من التفكير في الأسباب التي يجب على الشخص أن يأخذها بعين الاعتبار.

بحسب “هارفرد بيزنس ريفيو”، يمكن للشهادة العليا أن تساعد في زيادة الرواتب وتسريع الآفاق الوظيفية فيما نتبع شغفنا المهني، على الرغم من أن مثل هذا الاستثمار قد يؤدي إلى مزيد من الديون وإضاعة الوقت في حالة اتخاذ القرارات على أسس خاطئة. مع وجود عدد كبير من الموارد المتاحة عبر الإنترنت وفرص الحصول على شهادات المايكرو (الماجستير المصغر)، يمكن للشباب مواصلة بناء معارفهم ومهاراتهم بقيمة أقل بكثير. فعندما نتخرج من الجامعة ونبدأ مسيرة البحث عن عمل، يكون الحصول على الشهادة ليس سوى نقطة البداية، إذ يساعدنا نهج التعلم مدى الحياة، والارتقاء المستمر بالمهارات، في تعزيز قدرتنا على التكيف مع متطلبات المستقبل. ولإيجاد عمل في سوق شديدة التنافسية، يعد من الضروري اعتماد خطوات ذكية لزيادة جاذبية السيرة الذاتية، بالإضافة إلى تفعيل قوة الشبكات الاجتماعية النشطة.

ويعاني معظم الناس من التحولات الحياتية التي تتخللها فترات ارتباك وخسارة، وانعدام الأمن الوظيفي واليقين. ومن الخطوات الأساسية والمؤثرة التي يمكن أن نواجه بها هذه التحولات هي بالتفكير في التجارب الهامة التي سبق أن اختبرناها، والأحلام المستقبلية، والقيم أو نقاط القوة الحالية. بمجرد أن نتسلح بمزيد من المعرفة الذاتية، تحثنا طريقة التخطيط والتنفيذ على المبادرة إلى العمل.

هنا يأتي دور المستشارين أو الموجهين المهنيين، المؤهلين والمجهزين لمساعدة الأفراد في التخطيط لمساراتهم المهنية، وتقديم المشورة وخدمات التوجيه، وكذلك تعزيز استقلالية العملاء والإدارة الذاتية لمهارات التطوير المهني بطريقة تدريجية.

فعبر التوجيه المهني السليم، سيتعرف الشباب على اهتماماتهم ومهاراتهم، ويطابقونها مع المهن والأعمال، ويختارون هدفًا مهنيًا، ويطورون استراتيجيتهم للوصول إليه، ثم يخرجوا إلى سوق العمل ليتواصلوا مع أشخاص في المجال الذي يهمهم، ويعرفون منهم طبيعة العمل اليومي على أرض الواقع.

وإلى جانب كون معظم الجامعات تقدم خدمات مهنية لطلابها، فقد أطلق مركز قطر للتطوير المهني، في مايو 2020، جلسات التوجيه المهني الافتراضية، والتي تمكّن الطلاب المتأثرين بالوباء من تلقي المشورة من كبار خبرائنا حول كيفية التخطيط الأفضل لمستقبلهم، ومناقشة المسارات والاتجاهات المهنية. تقدم الدورات حاليًا باللغة الإنجليزية، على أن تبدأ الدورات العربية بحلول نهاية العام، لتستكمل ببرنامج توجيه للمهنيين المهتمين بتعزيز تجربة التوجيه المهني.

ستساعد هذه الدورات في تمكين الشباب من اتخاذ الخطوة الأولى في رحلة طويلة من شأنها أن تعزز تطورهم الشخصي والمهني، وتنمي مهارات التوظيف لطلاب الجامعات.

تتولى السيدة إيفروسيني ديميتريوس بارامبوتا منصب مسؤول أول للبرامج والخدمات المهنية في مركز قطر للتطوير المهني، عضو مؤسسة قطر، والذي يضطلع بمهمة بناء القدرات القطرية بالاتساق مع رؤية قطر الوطنية 2030 وأهداف بناء اقتصاد قائم على المعرفة.

يركز عملها على تطوير المشروعات ذات التأثير، وإنتاج المحتوى القائم على البحوث، وإنشاء الشراكات الاستراتيجية محليًا وخارجيًا، والتي من شأنها إثراء ودعم ممارسات التخطيط المهني، فضلًا عن التأثير على صناعة السياسات داخل دولة قطر.

السيدة إيفروسيني هي ممارس مهني معتمد في مجال التطوير المهني من قبل الجمعية الوطنية للتطوير المهني ومركز خدمة المجتمع والتعليم المستمر، وهي عضو مهني في الرابطة الدولية للتوجيه التعليمي والمهني، ورابطة التطوير المهني في آسيا والمحيط الهادئ، والجمعية الوطنية للتطوير المهني، وCDI، ومعهد القيادة والإدارة، وعضو سابق في لجنة البحوث في رابطة التطوير المهني في آسيا والمحيط الهادئ. كما عملت السيدة إيفروسيني في لجان تقنية لأربعة منتديات وطنية حول الإرشاد المهني. وهي مرشح في برنامج جامعة إنسياد للدراسات العليا وخريج كلية كينيدي للتعليم التنفيذي بجامعة هارفرد.