الأصدقاء يؤدون دورًا حاسمًا في اختيار أقرانهم لمسارهم المهني

بمناسبة اليوم الدولي للصداقة

الأصدقاء يؤدون دورًا حاسمًا في اختيار أقرانهم لمسارهم المهني

تأثير الرفاق على القرارات المهنية عادة ما يبدأ في مرحلة المراهقة
الإرشاد المهني يمَّكِن الفرد من اتخاذ القرار الصحيح بشأن مستقبله المهني
الصداقة المهنية ترفع الإنتاجية وتعزز ارتباط الشخص بمكان العمل

يؤدي الأصدقاء والأقران دورًا حاسمًا في حياة الأفراد، حيث يؤثرون على شتى جوانب حياتهم، بما في ذلك اختياراتهم المهنية في المستقبل. فعندما يكون لدى الشخص أصدقاء يشاركونه نفس الاهتمامات والطموحات، فإنهم قد يؤثرون على قراراته المهنية ويساهمون في توجيهه نحو مسار مهني معين. ويشعر الأفراد بالراحة والثقة حينما يكونون محاطين بأصدقاء يمتلكون نفس الاهتمامات المهنية. فعندما يتحدث الأصدقاء عن أحلامهم وطموحاتهم المهنية، يمكن للفرد أن يستفيد من نصائحهم وتجاربهم، وبالتالي يصبح أكثر قدرة على اتخاذ القرارات المناسبة بشأن مستقبله المهني. ويمتد تأثير الأقران كذلك إلى توسيع دائرة المعارف وفرص التعلم؛ فعندما يكون للشخص أصدقاء يشاركونه نفس الاهتمامات المهنية، يتاح له فرصة للتواصل معهم ومناقشة مواضيع متعلقة بمجالات اهتماماتهم المشتركة. وبمناسبة اليوم الدولي للصداقة، الذي يصادف الثلاثين من شهر يوليو الجاري، نستعرض معكم تأثير الرفاق على التوجيه المهني لزملائهم وتحديد الخبرات المهنية للشباب الذين يحتاجون إلى التوجيه والإرشاد لتحديد مسارهم المهني في المستقبل.

تقول علا عبدالله، أخصائي أول التطوير المهني بمركز قطر للتطوير المهني: “تأثير الرفاق يفوق تأثير الأهل في التوجيه المهني للمراهق. وكنت قد أجريت دراسةً في عام 2015 على 220 طالب في المدارس الثانوية بدولة قطر عن العوامل الأكثر تأثيرًا على القرارات المهنية، وتوصلت الدراسة إلى أن الأصدقاء كانوا هم العامل الأكثر تأثيرًا على اتخاذ الشخص لقراره بشأن مستقبله المهني، حيث وقع اختيار 180 طالبًا من المشاركين في هذه الدراسة على المسار المهني الذي اختاره زملاؤهم، وهي نسبة ضخمة للغاية، في حين تأثر بعض الطلاب بآراء الأقران والآباء، وتأثر البعض الآخر بعوامل مختلفة، ولكن الأصدقاء كانوا العامل الأكثر تأثيرًا على اتخاذ القرار المهني لهؤلاء الطلاب. “

وتضيف: “أجريت متابعة للبحث بعقد مقابلات مع 20 طالبًا لمعرفة لماذا وقع اختيارهم على المجال الذي اختاره أصدقاؤهم، فأشار بعضهم إلى أنهم شعروا بارتياح لاختيار المجال الذي يفضله أقرانهم من نفس أفراد العائلة مثل ابن العم أو ابن الخال دون النظر إلى الأسس أو العوامل التي بنى عليها هذا الشخص اختياره، في حين أكد أربعة من الطلاب أنهم اختاروا التخصص الذي كان يفضله الوالدان. “

وتابعت: “ربما يكون الوضع قد تغير الآن، ولكنني أتذكر أنني قرأت دراسة أجريت قبل عامين عن تأثير الأقران على القرارات المهنية للشباب في الدول العربية، وتوصلت هذه الدراسة كذلك إلى أن الأصدقاء كانوا هم العامل الأكثر تأثيرًا على القرارات المهنية.”

وأشارت علا إلى أن تأثير الرفاق على القرارات المهنية يبدأ عمومًا في مرحلة المراهقة اعتبارًا من سن 12 عام وخصوصًا لدى الأولاد الذين يميلون إلى اتباع أقرانهم بشكل أكبر من البنات اللائي يتمتعن بشخصية وهوية مستقلة وشبه مكتملة، مبينةً بأن تأثير الرفاق على التوجه المهني لزملائهم يكون في الغالب جيدًا، ولكنه يحدث أحيانًا مشكلةً في سوق العمل بسبب ميل البعض للعمل في مهن محددة، وهو ما قد يؤدي إلى عدم الوفاء باحتياجات سوق العمل للمهن الأخرى.

وأوضحت أن تأثير الأقران قد يسير في اتجاه غير مرغوب فيه سواء من حيث تلبية احتياجات سوق العمل أو المواءمة بين قرار اختيار المسار المهني والمهارات والقدرات الشخصية ما لم يكن قائمًا على توجيه مهني صحيح لأن هناك اختلاف في القدرات والمهارات والمعرفة والإمكانيات المادية بين الأشخاص، وهي جميعًا أمور يجب أن ينظر إليها الشخص بعين الاعتبار عند اختياره لمهنته لكي لا يظلم نفسه. فعلى سبيل المثال، إذا كان الشخص لا يمتلك القدرة المالية على الدراسة في الخارج، فلا يمكنه أن يتبع زميله الذي قرر الدراسة في الخارج لمجرد الاتباع. كما أن هناك أشخاص يتميزون بمهارة  الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة وهو ما يؤهلهم للعمل في مهنة الهندسة، في حين يتميز البعض الآخر بالقدرة على الابتكار والإبداع، وهو ما لا يؤهلهم للعمل في مهنة الطب أو الجراحة مثلاً، ولهذا تبرز أهمية التوجيه والإرشاد المهني.

وذكرت علا أن الهدف من الإرشاد المهني يكمن في توجيه الشخص إلى تحديد مسار وخطط وأهداف واضحة تمامًا تساعده في التعرف على مهاراته وقدراته وتمكنه من اتخاذ القرار الصحيح بشأن مستقبله المهني، وبينت أن عمل المركز يتمثل في مساعدة الشباب على اتباع المسار المهني الذي يناسب قدراتهم وإمكانياتهم ومهاراتهم بناءً على العديد من أدوات القياس النفسي التي تساعد الشباب على اكتشاف مهاراتهم والرابط بينهم وبين مساراتهم المهنية، وهي أمور مهمة للغاية تساعدهم على عدم اتباع أقرانهم والانقياد لهم بشكل أعمى.

وأكدت علا على إيمانها بصحة المثل القائل “الصاحب ساحب”، وأن لحسن اختيار الصديق دور في التطور المهني، ولذلك تبرز أهمية أن يحيط المرء نفسه بالأشخاص الناجحين والهادفين الذين يساعدونه على الإنجاز والتطور المهني سواء عبر المناقشات المستنيرة أو مشاركة المعلومات، مع اعترافها بصعوبة إجبار الشباب في هذا الجيل على اختيار أصدقائهم بمعايير الوالدين، وبأن تقلبات الحياة ستحدث لا محالة وأن الشاب قد يرتكب أخطاءً بإيعاز من صديقه، إلا أنه يجب أن يتعلم من هذه التجربة سواء كانت تجربة مهنية أم حياتية، وأن التجربة والوقوع في الخطأ أفضل من الامتناع عن خوض أي تجارب.

وشددت علا على أهمية الصداقة المهنية في بيئة العمل وضرورة وجود بيئة تفاعلية ترتكز على بناء علاقات إنسانية مع زملاء العمل من خلال تبادل المعرفة بحيث يبني الموظف صداقات من خلال العمل، وهو أمر صحي للغاية. ولفتت إلى أن الموظف يقضي في العمل وقتًا أطول مما يقضيه مع أفراد عائلته، وأن الارتباط بمكان العمل يزيد مع وجود هذا النوع من الصداقة، وهو أمر مهم جدًا ويحدث تغييرًا كبيرًا، حيث يزيد من الشعور بالارتباط بمكان العمل والإخلاص له والإحساس بالسعادة عند القدوم للعمل والرغبة في العمل حتى وقت متأخر مع عدم وجود ضرورة ملزمة للقيام بذلك نظرًا لارتباط الشخص بمكان العمل وحبه له وتفاهمه مع زملائه، وهو ما يخلق ثقافة عمل متميزة ويرفع من مستوى الإنتاجية.

واختتمت تصريحاتها قائلةً: “كما أن لكل شيء مزايا وعيوب، فإن من عيوب هذا الوضع أن الحدود قد تختفي في بعض الأحيان إذا لم يتعامل الزملاء مع الأمور المهنية على محمل الجد بسبب الصداقة، إلى جانب الشعور بصعوبة في تلقي التوجيهات من الزملاء، بيد أن الالتزام بالأخلاقيات المهنية هو الأساس الذي يضمن وجود بيئة عمل لطيفة ولكنها غير مفتوحة للغاية.  ومن الصعوبة تحقيق هذا التوازن الذي لن يحدث إلا عبر التقيد بالحدود وإدراك أننا أصدقاء في العمل نعمل سويًا ولا نعيش مع بعضنا البعض. “