تعزيز الثقافة المهنية بين القطريين

دراسة وطنية تحدّد خطوات ملموسة نحو التنمية البشرية والمهنية في دولة قطر من خلال التوجيه المهني

تمضي دولة قطر منذ عهد طويل في مسيرة الاستثمار في أبنائها والقوة العاملة فيها. ودعمًا لهذه الرؤية، أجريت دراساتٌ عديدة حول تنمية رأس المال البشري لدى الشباب القطري. ورغم تعدد هذه الجهود، إلا أنها لا تزال غير كافية لمتابعة التقدم المحرز في مجال التوجيه والتخطيط والتطوير المهني.

وفي محاولة لإجراء دراسة أكثر شمولًا تستند إلى مجموعة الأبحاث القائمة، أطلق مركز قطر للتطوير المهني مبادرةً بحثيةً لمدة 12 شهرًا تحت عنوان: “التخطيط والتوجيه المهني من أجل اقتصاد قطري مستدام”، وقد ركّزت هذه المبادرة بشكل حصري على أبناء دولة قطر. وقد شمل البحث، إضافةً إلى الأساليب البحثية الأخرى، عينةً لما يزيد على ألف طالب وخريج وولي أمر، إضافةً إلى أفراد من مختلف شرائح الجهات المعنية الرئيسية في القطاعين الحكومي والخاص.

قيّم البحث وجهات النظر والمواقف تجاه التوعية المهنية والتطوير في دولة قطر، وكان موضوعه الرئيسي هو “دور التوجيه المهني في مواءمة طموحات ومهارات شباب دولة قطر مع احتياجات الاقتصاد القطري”. ويتمثل هدف البحث في التوسّع في مجموعة البحوث الحالية من خلال التركيز على الموضوع الرئيسي، أي “الثقافة المهنية”، والبحث في سبل غرس هذه الأخيرة مع الأخذ في الحسبان الحاجة لتنويع الاقتصاد بما يتجاوز قطاع الموارد التقليدية للنفط والغاز.

شمل البحث بعض مجالات الاهتمام مثل: التوعية المهنية والتحفيز، والأفضليات التعليمية، وسلوكيات التطوير المهني وحاجياته، وكذلك التحديات التي تواجهها دولة قطر.

وتهدف نتائج هذه الدراسة وتفسيراتها إلى أن تكون مادة يُسترشد بها في صياغة وتنفيذ برامج ومبادرات وأنشطة ذات صلة بالتطوير والتوجيه المهني على الصعيد الوطني. توضح نتائج التقرير كيف يمكن للتوجيه المهني أن يسهم بشكل كبير في تقدّم دولة قطر من خلال تعزيز فهم أفضل لديناميكيات سوق العمل والحاجة إلى تطوير قوة عاملة مؤهلة وماهرة.

يرمي هذا البحث في نهاية المطاف إلى دعم إنشاء هيئة متكاملة ومنسّقة للتطوير المهني تعمل على دعم ورصد وتنظيم التطوير والتوجيه المهني في دولة قطر، بحيث تساعد مركز قطر للتطوير المهني في ضبط استراتيجيات التوجيه المهني الخاصة به، وتكون أيضًا بمثابة وثيقة مرجعية للجهات المعنية الأخرى في القطاعين العام والخاص، مع الالتزام بتعزيز التنمية البشرية والمهنية في دولة قطر.

أهداف البحث:

  • تقييم مدى فهم الجهات المعنية القطرية لمفهوم “المهنة/التوجيه المهني”، ومقارنة “المهنة مقابل الوظيفة”، ودور هذه الأنشطة وما تجلبه من أهداف وفرص ومزايا إلى المواطنين القطريين.

 

  • تقييم مدى إسهام التطوير المهني وفائدته في دولة قطر، وكذلك استبدال ثقافة “التوجيه المهني” مكان الثقافة السائدة، ثقافة “التوجيه للوظيفة”.

 

  • تقييم وتوصيف التحديات الحالية التي يواجهها نظام التطوير المهني في دولة قطر.

 

  • تقييم التصورات والمواقف الحالية تجاه مبادرات التوعية المهنية والتطوير بين مجموعات الجهات المعنية الرئيسية.

 

  • تقييم الحاجة إلى إنشاء هيئة موحّدة ومنسّقة ومركزية للتطوير المهني تلبي احتياجات الطلاب وأولياء الأمور وسوق العمل، ومؤسسات التعليم والتدريب.

 

  • فهم الأنشطة والميزات والخدمات المهمة التي ينبغي تطبيقها مستقبلًا في سياق السعي لتنفيذ إطار عمل وطني للتطوير المهني.

 

نتائج البحث:
أدت نتائج البحث إلى تطوير خمسة موضوعات رئيسية:

 

الموضوع الأول: التوعية المهنية

كان واضحًا أن ثمّة حاجة على المستوى الوطني لتحسين الاستراتيجيات التي تدعم الطلاب وأولياء الأمور لتطوير معرفتهم بالمسارات المهنية البديلة وفرص العمل المتاحة في دولة قطر، مثل التمريض والتعليم والموارد البشرية وتكنولوجيا المعلومات والتسويق. وعليه، نشأت الحاجة إلى اتصال أكثر تآزرًا بين التطوير المهني والتعليم، بما يتيح أمام الطلاب الشباب طائفةً من المسارات المهنية المتنوعة.

الموضوع الثاني: التأثير الاجتماعي

درس البحث إلى أي مدى يمكن أن تؤدي التأثيرات الاجتماعية دورًا في تشكيل الخيارات المهنية لدى الطلاب في دولة قطر. ومن أجل الحصول على فرص أفضل وحياة أفضل، ينبغي أن تتواءم احتياجات البلد مع خبرات الشباب القطري. لقد أصبح اختيار المسار المهني الأنسب أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة للشباب القطري إذا كانوا سيضطلعون بدورهم في تحقيق ازدهار دولة قطر واستدامتها والإسهام في تلبية تطلعات رؤية قطر الوطنية.

الموضوع الثالث: فجوة المهارات

تُتاح اليوم مهن لم تكن موجودة منذ عقود؛ وهناك مهن ستختفي على المدى المتوسط أو الطويل. وقد بحثت دولة قطر الفجوة المتنامية في المهارات واعتبرتها تحد رئيسي يهدد نمو الاقتصاد. ومن ثم، دعت الحاجة إلى تحسين التعاون بين القطاع الخاص والتعليم العالي لضمان اندماج الخريجين المتعلمين من ذوي المهارات في الاقتصاد.

الموضوع الرابع: التوجيه المهني

من خلال مبادرات التوجيه المهني الفاعلة، تساعد دولة قطر المواطنين في اكتساب المعارف والمهارات والخبرات اللازمة ليكونوا أكثر استعدادًا للمشاركة في الاقتصاد العالمي الحديث القائم على المعرفة. وعليه، تشمل هذه الدراسة برامج وخدمات التوجيه والإرشاد المهني الحالية، في محاولة لتوفير فهم أفضل لمدى فاعليتها.

الموضوع الخامس: التقطير

صُممت مبادرة التقطير لجذب وتوظيف وتطوير واستبقاء القوة العاملة القطرية ذات الكفاءة من الذكور والإناث في القطاعين الحكومي والخاص، بما يسهم في ركيزة تنمية رأس المال البشري ضمن رؤية قطر الوطنية 2030. يهدف التقطير إلى توفير الوظائف الدائمة المجدية لما يزيد على 50 في المائة من المواطنين القطريين. وعلى هذا الأساس، تحاول هذه الدراسة أيضًا التدقيق في مدى فاعلية هذه المبادرة.

التوصيات:

تهدف التوصيات التي نتجت عن هذا البحث إلى توفير بعض الإرشادات العملية وتحديد المجالات ذات الأولوية، وإلى تعريف صانعي السياسات بمجالات التطوير المهني ومتطلبات التدريب والتعليم. كما تهدف إلى تشجيع الجهات المعنية بالتطوير المهني على فحص نماذج التشغيل والنظم والممارسات والمعايير التشغيلية الخاصة بهم لتقديم قدر أكبر من التعاون. وفيما يلي بعض التوصيات باختصار:

  • إنشاء خدمة أو استراتيجية وطنية مهنية

ينبغي إنشاء هيئة وطنية للتطوير المهني تكون مركزية ومتكاملة ومتناسقة، على أن توفّر هذه الهيئة الاستراتيجيات والسياسات والخدمات والبرامج التي تمكّن الطلاب والخريجين من اتخاذ قرارات مهنية فاعلة ذات تأثير إيجابي على مستقبلهم ومستقبل دولة قطر.

  • تعزيز القطاع الخاص

ينبغي تطوير استراتيجية محددة تعمل على تعزيز القطاع الخاص باعتباره خيارًا مهنيًا مجديًا وبديلاً للوظائف التقليدية في قطاع الحكومة أو قطاع النفط والغاز.

  • توفير معلومات عن سوق العمل

ينبغي إجراء أبحاث إضافية للتوصل إلى فهم أعمق لسوق العمل، وتحديد المهارات المستقبلية الضرورية التي تحتاج إليها دولة قطر كي تتمكن من بناء اقتصاد تنافسي عالمي.

  • توفير التوعية المهنية

من الضروري تحسين المعلومات المهنية من حيث العمق والجودة، بحيث يتمكن الطلاب وأولياء الأمور من اتخاذ القرارات المهنية بشكل أكثر استنارة.

  • تشجيع مشاركة الخريجات في القوى العاملة

يتعين معالجة ارتفاع معدل البطالة بين الخريجات، عن طريق دعم احتياجات وتطلعات ومستوى مشاركة الخريجات في القوى العاملة الوطنية

  • تطوير المهارات المناسبة

ينبغي وضع سياسة وطنية لتنمية المهارات تهدف إلى تحسين نوعية وكمية المهارات ذات الصلة اللازمة في سوق العمل.

  • إنشاء إطار حوكمة للخدمات المهنية

السّعي لتوفير إطار لحوكمة وضبط خدمات التطوير المهني بهدف نشر ثقافة التطوير المستمر.

“إن تجهيز القوى العاملة بمهارات متنوعة من شأنه أن يدعم متطلبات الاقتصاد، سواء الحالية أو المستقبلية، إلى جانب كونه عنصرًا أساسيًا في تحقيق الاستدامة لأية دولة على المدى الطويل.”

عبدالله المنصوري، المدير التنفيذي لمركز قطر للتطوير المهني

المصدر: تقرير دراسة بحثية وطنية أجراها مركز قطر للتطوير المهني تحت عنوان “التخطيط والتوجيه المهني من أجل اقتصاد قطري مستدام”