بعيون الخبراء: خطة الابتعاث للعام الأكاديمي 2024/2025

سرني ما اطلعت عليه حول خطة الابتعاث الحكومي المعلن عنها مؤخرًا للعام الأكاديمي المقبل، والتي تعزز النهج الواعي الذي تتبناه مؤسسات الدولة بدعم الطلبة في سعيهم للحصول على أرقى مستويات التعليم في داخل الدولة وخارجها، وتحسين مؤشرات التعليم المرتبطة باقتصاد المعرفة.

ويتجلى ذلك في تناول الخطة لمجالات دراسية محددة تتعاظم الحاجة إليها في سوق العمل لتحقيق أهداف التنمية الوطنية خلال المرحلة القادمة، وتبرهن عبر مكوناتها مثل برنامج “طموح” على التزام الحكومة بمواكبة الفرص التعليمية لاحتياجات سوق العمل المتطور والمتغير باستمرار. واحتياجات سوق العمل تتطلب دائمًا استشرافًا للمستقبل ودراسة واعية ومتفحصة لكافة دراسات وأبحاث سوق العمل التي تصدرها المؤسسات المحلية والإقليمية والدولية. فعلى سبيل المثال، أشارت دراسة سابقة لمركز قطر للتطوير المهني إلى أرجحية أن يعمل مستقبلًا نحو 65% من الأطفال الملتحقين بالمدارس الابتدائية اليوم في وظائف جديدة لا يعرفها سوق العمل الحالي. وهذا المؤشر يتطلب منا توقع تلك الوظائف الجديدة وحث أبنائنا على سلوك المسارات التعليمية المؤدية إليها في المستقبل حتى تستطيع دولة قطر مواكبة التغيرات التي تطرأ على الاقتصاد العالمي والحفاظ على المكانة التي وضعت نفسها فيها، فهي من أكثر الدول استقرارًا من حيث النمو الاقتصادي. كما أشار المنتدى الاقتصادي العالمي في أحدث تقاريره إلى أن ثمة توقعات عالمية بأن ينتهي المطاف ببعض الوظائف الروتينية إلى أن يعفو عليها الزمن، مثل العمل الإداري المكتبي. وبالمقابل، من المتوقع أن تنمو فرص العمل في قطاعات الهندسة المعمارية والهندسة والحاسوب والرياضيات بشكل قوي. ولذلك، ينبغي علينا مواكبة تلك البيانات والإحصاءات والتوقعات وإدماجها في خططنا واستراتيجياتنا المستقبلية.

إن انتقاء المسارات التخصصية المقدمة في برنامج الابتعاث الخارجي تحديدًا، يعني أن هناك حاجة مباشرة وماسة لهذه التخصصات وينبئ بالنمو المتصاعد للقطاعات التي تتضمن تلك التخصصات. كما يعكس أيضًا اعتبارات دقيقة للمهارات والخبرات التي تحتاجها الدولة لتحقيق النمو المرجو لها، وتنميتها عبر توجيه الثروة البشرية، المتمثلة بشبابنا وشاباتنا، نحو دراسة وإتقان مجالات حيوية، مثل: التكنولوجيا، والهندسة، والتعليم، والطب، والاقتصاد الإبداعي؛ وتوطينها بالدولة، والبناء على قدراتنا المستقبلية بجهود وسواعد الخريجين والمؤسسات التعليمية. علاوةً على ذلك، يعتبر تضمين حوافز مالية أعلى لمجالات بعينها حافزًا قويًا للطلبة لمتابعة تخصصات توفق بين طموحاتهم الشخصية وأهداف التنمية الوطنية بصفة عامة. والأهم من ذلك، تحفظ الخطة مبدأ تكافؤ الفرص بالتساوي بين الطلبة بغض النظر عن الوضع المالي ليسهموا عبر مهاراتهم ومواهبهم بشكل فعّال في سوق العمل بعد التخرج.

ولإيماننا بنجاعة هذه المقاربة، نقوم في مركز قطر للتطوير المهني بتوجيه الشباب نحو المسارات الأكاديمية والمهنية التي تتناسب مع قدراتهم ومواهبهم وطموحاتهم، آخذين بعين الاعتبار التوجهات المستقبلية لسوق العمل وأهداف التنمية الوطنية للدولة؛ لذلك ندعم فلسفة تحقيق التوازن بين طموحات الفرد واحتياجات سوق العمل والمتطلبات التنموية للدولة، ونرى أنه من خلال تدخلات التوجيه المهني الفعّالة والمبكرة يمكن أن تكون هناك نقطة التقاء وتكامل ما بين الطموحات الفردية وتلك المتطلبات والاحتياجات. إننا نؤمن بضرورة توجيه الطلبة لاتخاذ قرارات مستنيرة لا تخدم مصالحهم الفورية وحسب؛ بل تمهد لهم الطريق للتكيف مع التغيرات المستقبلية التي قد تطرأ على المشهد المهني في الدولة، والاستفادة منها، وأن يسهموا بمسؤولية في نجاح قطر المستقبلي.

إن مركزنا على أهبة الاستعداد لمساعدة الطلبة في تحديد تلك الاختيارات، ونقدم لهم ما يحتاجونه من معلومات ومشورة حول اتجاهات النمو المستقبلية، ونساعدهم على النظر، ليس فيما هو متاح اليوم وحسب؛ لكن إلى ما سيكون عليه الطلب من الكفاءات في المستقبل. ومن خلال الجهد التعاوني مع المؤسسات التعليمية كافة، وشركاء التطوير المهني في قطاعي التعليم والعمل، نهدف إلى تمكين الجيل القادم من القادة الذين سيحملون مشعل مسيرة التقدم في دولة قطر عبر مختلف القطاعات.

السيد عبد الله المنصوري
المدير التنفيذي لمركز قطر للتطوير المهني