إدارة الفعاليات: خالد الحمر

إن استضافة الأحداث الرياضية الكبرى مثل كأس العالم لكرة القدم ليس بالأمر الهين، فمئات الآلاف من المشجعين يحضرون عشرات المباريات المقامة في ملاعب مختلفة على مدار عدة أسابيع. ويعمل على تنظيم هذه المباريات آلاف من الموظفين والمتطوعين الذين يمثلون إدارات وتخصصات مختلفة. كل موظف ومتطوع مسؤول عن تنفيذ مهام معينة ضمن فرق محددة، ولكن عليهم جميعًا العمل بنظام وتناغم أشبه بما يُتّبع في خلية النحل. الكل يعمل من أجل هدف واحد وهو تقديم تجربة مثالية للحضور.

يتبين من كل ذلك مدى أهمية تخصص إدارة الفعاليات، فهذا التخصص الحديث نسبيًا هو مفتاح تنظيم أي حدث ناجح.

تتنوع أدوار ومهام كل فرد في فريق إدارة الفعاليات الكبرى بحسب نوع وحجم الحدث، فما تتطلبه إدارة بطولة رياضية يختلف عما تتطلبه إدارة مهرجان فني أو مؤتمر دولي، ولكن تبقى هناك عناصر أساسية مشتركة في إدارة أي فعالية. في النهاية كل فعالية عبارة عن مشروع له تواريخ بداية ونهاية محددة، وميزانية مرصودة، وموقع أو مواقع تستضيفه، وفرق عمل، وجمهور وحضور وضيوف، ومجموعة من الشركاء مثل الموردين والرعاة والإعلام. يتولى فريق إدارة الفعاليات مهام مثل التخطيط للحدث، وتحديد الميزانية المطلوبة، والتنسيق مع الموردين (مثل شركات الإنشاءات في مكان الحدث وشركات التصوير والتصميم والطباعة والصوت والإضاءة وغيرها)، والتعامل مع وسائل الإعلام، واختيار وتدريب فريق التنظيم، والتنسيق مع بقية الأقسام في المؤسسة المُنظمة للحدث، والإشراف على تنظيم الحدث.

إدارة الفعاليات مجال حافل بالإثارة ويناسب الأشخاص الذين لا يفضلون العمل في المكاتب لفترات طويلة، ولكنه في الوقت نفسه مليء بالتحديات التي قد تظهر بشكل مفاجئ، مثل اعتذار ضيف عن مؤتمر أو حدوث مشكلة في التسجيل بسبب عطل تقني أو عدم تمكن الحضور من اللحاق بالحدث بسبب مشكلة في الطيران، وغير ذلك من الظروف والمواقف الطارئة التي تستوجب تصرفًا سريعًا وامتلاك مهارات قوية لحل المشكلات.

بالطبع يمكن التغلب على الكثير من هذه التحديات بالاستعداد مسبقًا لها وتجهيز الحلول والبدائل، وبشكل عام يتطلب بناء مسيرة مهنية ناجحة في مجال إدارة الفعاليات أن تكون شخصًا منظمًا يهتم بالتفاصيل ويجيد إدارة وقته والعمل تحت الضغط، ويمتلك مهارات مثل العمل الجماعي والتواصل الفاعل والقيادة والتفكير الإبداعي وحل المشكلات وإدارة الأزمات.

يبدو مستقبل مجال إدارة الفعاليات واعدًا إلى حد كبير، خاصة في دولة قطر، فهناك دومًا طلب على المتخصصين فيه. والأمر لا يتوقف على البطولات الرياضية الكبرى التي يتم استضافتها سنويًا أو التخطيط لاستضافتها مستقبلًا، فاستضافة كأس العالم مثلًا من شأنها أن تمنح دولة قطر المزيد من الزخم لاستضافة أحداث كبرى أخرى مستقبلًا مثل المهرجانات الفنية العالمية والمؤتمرات والمعارض الدولية. وقد أصبحت دول العالم تتهافت على استضافة مثل هذه الأحداث نظرًا لتأثيرها الإيجابي على الاقتصاد، فبطولة مثل كأس العالم لكرة القدم تعني حضور أكثر من مليون زائر من جميع أنحاء العالم، ما يسهم في نمو قطاعات مثل السياحة والضيافة والطيران، ويوفر المزيد من فرص العمل، ويزيد من كفاءة القوى العاملة الموجودة، كما يؤدي كذلك إلى تطوير البنية التحتية وجذب الاستثمارات الخارجية.

ورغم أن وباء كورونا كان له تأثير كارثي على هذا القطاع، إلا أنه أسهم في تسريع تحوله الرقمي، كما منح المتخصصين فيه دروسًا في كيفية الاستعداد لأي تحديات مشابهة في المستقبل والتكيف مع أي ظروف قد تواجههم مع تقليل الخسائر.

يعد التطوع في مجال تنظيم الأحداث وسيلة جيدة لاستكشاف مجال إدارة الفعاليات على أرض الواقع ومعرفة ما إذا كان يناسبك أم لا.

تتوفر في دولة قطر دراسة مجال إدارة الفعاليات من خلال برنامج ماجستير العلوم في إدارة الأنشطة الرياضية والفعاليات الذي تقدمه جامعة حمد بن خليفة، وهو يؤهل الطلاب لاحقًا للحصول على درجة علمية مشتركة مع جامعة كارولينا الجنوبية في الولايات المتحدة. كما يقدم معهد جسور برنامج الدبلوم المهني في إدارة الفعاليات الكبرى.

خالد الحمر

مدير إدارة الفعاليات

اللجنة العليا للمشاريع والإرث

تخرجت من جامعة ساسّكس البريطانية في عام 2011 بدرجة البكالوريوس في إدارة الأعمال.

أعشق كرة القدم منذ الصغر، وقد مارستها على مستوى احترافي ولعبت لأندية السد والشمال وأم صلال. عندما حصلت دولة قطر على حقوق تنظيم بطولة كأس العالم، كان الأمر ملهمًا بالنسبة لي، وكنت أحلم بأن أكون لاعبًا في المنتخب الذي سيشارك في البطولة، ولكنني تعرضت لإصابة واضطررت لسلوك مسار مهني مختلف. وعلى الرغم من ذلك ظل يراودني حلم الانضمام للفريق الذي سيعمل على تنظيم بطولة كأس العالم في قطر، وبالفعل حققت ذلك.

بدأت مسيرتي المهنية في إدارة الموارد البشرية بمؤسسة قطر، ثم انتقلت بعد ذلك للعمل في مؤسسة دوري نجوم قطر كمسؤول عن العلاقات الرياضية الدولية. كان ذلك بداية لاكتساب خبرات في كل جوانب مجال تنظيم البطولات الرياضية، حيث عملنا على تنظيم مباريات البطولات المحلية للأندية مثل الدوري والكأس، وكان من بين أبرز المسؤوليات التي توليتها الإدارة التنفيذية لقسم الرياضة المؤسسية في اللجنة المحلية المنظمة لبطولة آسيا تحت 23 عامًا التي أقيمت عام 2016، كما كنت مديرًا لقسم إصدار التذاكر خلال افتتاح استاد خليفة الدولي بعد التجديد في عام 2017 .

في العام نفسه التحقت بأكاديمية أسباير كمدير للموارد البشرية، حيث عملنا على مدار السنوات الخمس التالية على مشاريع كبرى ملهمة أسهمت في تطوير رياضيين حققوا نجاحًا مذهلًا على جميع المستويات، كما نظمنا كذلك عددًا كبيرًا من الفعاليات الرياضية.

كل وظيفة شغلتها وكل فعالية شاركت في إدارتها أو تنظيمها أسهمت في صقل مهاراتي وأكسبتني خبرات في كل جوانب تنظيم الفعاليات الرياضية، لأنتقل للعمل في اللجنة العليا للمشاريع والإرث، في البداية نائبًا لمدير الفعاليات ثم مديرًا للفعاليات. تعلمت الكثير من كل من عملت معهم من مديرين وزملاء وأدين لهم جميعًا بالفضل. ولن أنسى أيضًا أبدًا الدعم الذي قدمه لي والداي رحمهما الله، وجميع أفراد أسرتي وأصدقائي منذ الطفولة وخال كل مرحلة من مراحل مسيرتي المهنية.

تشمل مهامي الرئيسية الاهتمام بكل صغيرة وكبيرة ترتبط بتنظيم المشاريع المتعلقة بكأس العالم FIFA قطر2022 TMمثل منطقة المشجعين في منطقة البدع والتي ستتسع لثمانين ألف مشجع، ومناطق المشجعين في المنطقة الصناعية والخور والتي ستشمل أنشطة للمشجعين وأنشطة مجتمعية، بالإضافة إلى الأنشطة التي سيتم تنظيمها في منطقة الكورنيش. ونعمل أيضًا بشكل مكثف على تنظيم أحداث مؤسسية وترويجية خارج دولة قطر للترويج للبطولة.

لبناء مسيرة مهنية ناجحة في إدارة الفعاليات يجب أن تحب هذا المجال وتمتلك الشغف الكافي للاستمرار فيه، فهو مليء بالتحديات وهناك الكثير من التفاصيل التي يتوجب عليك الاهتمام بها، كما قد تحتاج في بعض الأحيان لأن تكون مستعدًا للعمل على مدار الأربع وعشرين ساعة. أنصح الطاب الراغبين في خوض مسيرة مهنية في هذا المجال بالمشاركة في تنظيم مختلف الفعاليات، حتى لو من خلال التطوع لكي يستكشفوا المجال ويتعرفوا على متطلبات تنظيم كل نوع من أنواع الفعاليات. سيتيح ذلك لهم رؤية الصورة كاملةً.

يعتقد بعض الطلاب أن الطلب على المتخصصين في إدارة الفعاليات سينخفض في قطر بمجرد انتهاء كأس العالم، وأنّ اختيار مهنة إدارة الفعاليات قد لا يكون قرارًا حكيمًا. أختلف بشدة مع هذا الطرح! من المهم أن نفهم أنّ إدارة الفعاليات ليست حكرًا على الأحداث الرياضية، وأنّ دولة قطر ستستضيف العديد من المعارض المهمة والمؤتمرات والفعاليات الكبرى والدولية في السنوات المقبلة. كما أن الكثير من الشركات والمؤسسات تبحث عن متخصصين في هذا المجال.

لا شك أن استضافة أكبر بطولة رياضية في العالم يضع مسؤولية كبيرة على عاتق فريق إدارة الفعاليات -المكوّن من عشرين شخصًا- لكننا نحاول أن نركّز على مهمتنا في تقديم أفضل تجربة للمشجعين في تاريخ البطولة، خصوصًا وأنها الأولى التي تستضيفها منطقة الشرق الأوسط، وأن عملنا خلالها سيضع المعايير التي ينبغي الاقتداء بها في البطولات المقبلة. ستكون بطولة كأس العالم هذه فريدة من نوعها، وأنا على ثقة من أننا سنبهر العالم وسننظم بطولة لا مثيل لها.