التعليم في قطر … تحديات وحلول

لقاء خاص مع سعادة الدكتور/ إبراهيم بن صالح النعيمي

وكيل وزارة التعليم والتعليم العالي

منذ بداية أزمة كوفيد-19، بذلت وزارة التعليم والتعليم العالي في دولة قطر جهودًا جبارة لمساعدة قطاع التعليم على تجاوز التحديات التي واجهته. فرغم التعليق المفاجئ للدراسة الصفية، تمت عملية التعليم عن بعد بطريقة سلسة، ولم يواجه المعلمون والقائمون على العملية التعليمية في المدارس الحكومية أي مشكلات في التأقلم مع الوضع الجديد، نظرًا لتلقيهم تدريبًا مسبقًا حول التعليم عن بعد، في ظل حرص الوزارة على دمج التكنولوجيا في التعليم خلال السنوات الماضية.

واعتمدت الوزارة نظام ”مايكروسوفت تيمز“ كمنصة رئيسية للتعلم عن بعد، وعملت على التأكد من جاهزية المدارس وإلمام المعلمين بكافة مزايا المنصة وحصول الطلاب وأولياء الأمور على حسابات لاستخدامها. كما قامت الوزارة بتوزيع أجهزة لوحية وأجهزة ذات نطاق عريض منزلي لتوفير الإنترنت على الطلاب الذين لا تتوافر لديهم تلك الإمكانيات. ولم تتوقف جهود الوزارة عند ذلك، حيث تم بث الدروس الإلكترونية على 19 قناة للتعلم عن بعد عبر موقع يوتيوب، بالإضافة إلى قناتين تعليميتين عبر البث التلفزيوني. ورافق تلك الجهود إعداد سياسة لتقييم الطالب في التعلم عن بعد، وكذلك إعداد خطط فصلية معدلة لجميع المواد وجميع المستويات بناء على تحليل المحتوى السابق لتتناسـب مع آليات التعلم عن بعد والفترة الزمنية المقررة لتطبيقه، بما يضمن عدم وجود فجوة لدى الطلاب عند انتقالهم للمرحلة الدراسية التالية.

وفي سياق متصل، حرص قطاع شؤون المدارس الخاصة في الوزارة على متابعة سير العملية التعليمية بالمدارس الخاصة وتقديم الدعم لها من أجل ضمان تجاوزهم أي تحديات يواجهونها. كما تابعت الوزارة عمل مؤسسات التعليم العالي التي قدمت برامجها عن طريق المنصات المعتمدة عبر الإنترنت، وقامت بوضع السياسات اللازمة لتقديم الوحدات الدراسية ذات الطبيعة التطبيقية بالتنسيق مع وزارة الصحة العامة، وكذلك ترتيبات قبول الطلاب للعام الدراسي الجديد.

في لقاء خاص مع ”دليلك المهني“ تحدث سعادة أ.د إبراهيم بن صالح النعيمي، وكيل وزارة التعليم والتعليم العالي، عن تجربة الوزارة في التعامل مع التحديات التي فرضتها أزمة كوفيد-19 ،وتجربة التعليم عن بعد، إلى جانب الجهود المبذولة لتطوير العملية التعليمية.

كيف نجح قطاع التعليم بدولة قطر في أن يتأقلم سريعًا مع الآثار المترتبة على أزمة كوفيد-19؟

الأمر يعود لأسباب عديدة، أهمها أن وزارة التعليم والتعليم العالي قطعت شوطًا كبيرًا في تأسيس التعليم الإلكتروني طيلة الأعوام السابقة، تنفيذًا لقرارات القيادة الرشيدة التي أكدت دومًا على أهمية التعليم الإلكتروني الذي يتوافق مع النمو المعرفي الهائل في عالمنا المعاصر، وتحقيقًا لرؤية قطر الوطنية 2030. وقد سارت عملية التعلّم عن بعد في المدارس بصورة طيبة وفق الخطط المرسومة، وكان هناك تجاوب كبير من الطلابّ وأولياء الأمور، حيث لمسنا ذلك من خلال مؤشرات التغذيةّ الراجعة المتمثلة في أداء الواجبات والتقييمات اليومية والأسبوعية، وعدد الدروس المصورة، وعدد المشاهدات، وغيرها من المؤشرات.

ما أهم ما يمكننا تعلمه من أزمة كوفيد-19؟

لا شك أن أهم ما تعلمناه من تلك الأزمة هو تأكيدنا الدائم على أهمية التعليم الإلكتروني، والذي يعد من أهم الأولويات في قطاع التعليم بجميع مستوياته، بدء من إعداد المعلمين الكفؤين المؤهلين لإدارة التعلم الإلكتروني والمناهج المتوائمة مع ذلك الغرض، وانتهاء بإعداد جيل متمكن قادر على مواكبة التقدم المذهل الذي يشهده عالمنا المعاصر، ولا يكون ذلك إلا بالدمج الحقيقي والمستمر للتكنولوجيا في التعليم من خلال المناهج والأنظمة المتخصصة في ذلك.

هل تعمل الوزارة على تدريب المعلمين للتعامل مع التكنولوجيا بشكل يضمن تحقيق أفضل النتائج لعملية التعلم عن بعد؟

تحرص وزارة التعليم والتعليم العالي بصورة مستمرة على رفع كفاءة المعلمين في التعامل مع التكنولوجيا ومواكبة المستجدات التربوية في ذلك المجال، من خلال تقديم التدريب المستمر على أحدث النظم ومتابعة جودة التنفيذ طيلة العام الدراسي، من خلال الزيارات الصفية وتقييم التعليم الإلكتروني. ومع بداية جائحة كورونا، قام منسقو المشاريع في المدارس الحكومية بتدريب جميع المعلمين على نظام إدارة التعلم LMS وتطبيق مايكروسوفت تيمز، وذلك قبل إطلاق تطبيق نظام التعلم عن بعد، لضمان إلمام جميع المعلمين بالمهارات المطلوبة للتعامل مع الأنظمة الخاصة بالتعلم عن بعد.

هل تعمل الوزارة على تطوير المناهج الدراسية بشكل دائم؟

لقد تبنت وزارة التعليم والتعليم العالي مبادرة تطوير المناهج التعليمية في السنوات القليلة الماضية، حيث تم التركيز على الكفايات التي يحتاج إليها الطالب Curriculum Based-Competency ، والحرص على توفير اتجاه تربوي واضح ومتسق مع رؤية قطر الوطنية من خلال تطبيق مجموعة من القيم والمبادئ والغايات. حرصنا أيضًا على تناغم تلك المناهج مع حاجات سوق العمل ومتطلبات التعليم العالي، إلى جانب الدمج الفاعل للتكنولوجيا في تطبيق المنهج والعمل على إعداد المناهج الإلكترونية إلى جانب المناهج المطبوعة. كما جرى تحديث مخطط التعليم ليشمل جميع المسارات التي تلائم قدرات الطلاب وميولهم، ورافق ذلك تطوير نظام المسارات التعليمية لتواكب متطلبات العصر، من حيث مراعاة أن تلبي المناهج التعليمية توفير فرص تعلم دائمة ومبتكرة، واستحداث مسار ثالث إلى جانب المسارين العلمي والأدبي، وهو المسار التكنولوجي، الذي يهدف إلى ربط التكنولوجيا بالعلوم وتسخيرها، مما يهيئ للطلاب فرص تعلم متميزة خلال المرحلة الثانوية وبعدها للالتحاق بتخصصات مهنية مستقبلية تحتاجها دولة قطر في مجال العلوم والتكنولوجيا.

ما المطلوب من المعلمين والطالب والآباء لضمان تحقيق التعلم عن بعد نفس النتائج التي يحققها التعليم التقليدي؟

لن يتحقق نجاح لأي خطة نقوم بها إلا إذا رافقتها استجابة جيدة من قبل أفراد المجتمع، لذا فقد حرصنا في الوزارة على دعم خططنا بحملات إعلامية تثقيفية لتوضيح أهمية دور كل فرد من أفراد المجتمع في التصدي للجائحة ومعالجة آثارها السلبية على العملية التعليمية، ويتمثل ذلك في التزام الطالب بجدول الدروس وأداء الواجبات والتواصل المستمر مع المعلمين، وعلى أولياء الأمور متابعة أبنائهم والتأكد من أدائهم للواجبات بشكل مستمر، وهذا الأمر يتعدى مسؤولية الفرد عن نفسه ليطال انتماءه الحقيقي لوطنه وإدراكه لأهمية دوره في ذلك.

ما أهمية برنامج ”طموح“ بالنسبة للميدان التربوي؟ وكيف يمكن جذب المزيد من الطلاب للانضمام إليه؟

تولي وزارة التعليم والتعليم العالي اهتمامًا كبيرا لبرنامج ”طموح“ الذي يسعى إلى استقطاب أعداد كبيرة من خريجي الثانوية العامة من القطريين وأبناء القطريات ومواليد قطر للالتحاق بأحد تخصصات كلية التربية، كما تسعى الوزارة إلى زيادة عدد الطلاب الملتحقين بالبرنامج، وذلك لسد احتياجات سوق العمل في المجالات التربوية، وتوطين الكوادر التعليمية في مدارس الدولة، الأمر الذي سوف ينعكس بالإيجاب على العملية التعليمية بأكملها. كذلك تعمل الوزارة مع كلية التربية في جامعة قطر على زيادة التخصصات الأكاديمية، مثل إضافة تخصصي التربية الرياضية والتربية الفنية، وزيادة عدد الكوادر القطرية في مجال التدريس. وقد تم توفير العديد من الامتيازات للطالب الملتحقين بالبرنامج، حيث يحصلون على مكافآت شهرية لتشجيعهم على مواصلة دراستهم في هذا المجال، علاوة على ضمان الوزارة حصولهم على فرص عمل في إحدى المدارس الحكومية حسب تخصصهم فور تخرجهم من كلية التربية وإتمامهم للتدريب المطلوب.

على مستوى الجامعات، هل كانت عملية التعليم عن بعد أسهل نسبيًا مقارنة مع المدارس؟ وهل يناسب التعليم عن بعد كل التخصصات؟

لا شك أن التعليم عن بعد بالنسبة للجامعات أسهل نسبيًا لاعتبارات تتعلق بالمرحلة العمرية، حيث إن الطلاب الجامعيين قادرون على إدارة تعليمهم بأنفسهم بشكل أكبر من طلاب المدارس، وخصوصًا طلاب المرحلة الابتدائية الذين يحتاجون للمساعدة من أولياء الأمور. ولا شك أن جائحة كورونا قد ألهمت جميع المؤسسات التعليمية في جميع دول العالم إمكانية إدارة التعلم عن بعد وتوسيع نطاق ذلك مستقبلًا. وكما نعلم فإن خطط الجامعات في ذلك تعتمد على طبيعة التخصصات، وكذا على طبيعة المساقات الجامعية، إذ لا يمكن تعميم التعلم عن بعد على التخصصات التي تتطلب تواجد الطلاب في الحرم الجامعي لتلقي التعليم والتدريب اللازمين لتحقيق أهداف التعلم.

كيف قدمت الوزارة الدعم للطالب المبتعثين للخارج خلال الأزمة؟

قامت وزارة التعليم والتعليم العالي بإخطار جميع الطلاب المبعوثين في الخارج بإمكانية العودة إلى قطر ومواصلة الدراسة عن بعد في جامعاتهم، وذلك فور تعليق الدراسة النظامية في الجامعات المبتعثين إليها وتحول معظم الجامعات حول العالم إلى نمط التعلم عن بعد. كما تم توجيه السفارات والملحقيات الثقافية بتذليل إجراءات السفر، وقد عاد معظم هؤلاء الطلاب إلى قطر. وفي حال قررت تلك الجامعات استمرار التعلم عن بعد للعام المقبل، فإن الوزارة ستقدم للطلاب المبعوثين جميع التسهيلات الممكنة، مع استمرار صرف المستحقات المالية بشكلها المعتاد.

مع الاعتماد على التعليم عن بعد في بعض الجامعات هل من الممكن الآن أن تتغير النظرة للشهادات الجامعية التي يتم الحصول عليها عبر التعليم عن بعد، خاصة فيما يتعلق باعتمادها؟

تخضع سياسة اعتماد الشهادات الجامعية للعديد من المعايير الدقيقة التي تتوافق مع المعايير الدولية في اعتماد الشهادات الجامعية. وكأي سياسة، لا بد من إجراء التحديث عليها في ضوء المستجدات المعاصرة، لكن لا نستطيع المجازفة في ذلك إلا بعد التحقق من جودة المخرجات مستقبلًا.