النجاح المهني يبدأ باكتشاف شغفك

الشيخة لطيفة خالد آل ثاني
المدير التنفيذي لقطاع التعليم في مايكروسوفت قطر

تحقيق النجاح في أي مجال يتطلب اتخاذ قرارات حاسمة لتحديد المسار المهني عقب الدراسة المتأنية لكافة الخيارات.

عندما كان على الشيخة لطيفة خالد آل ثاني اتخاذ أحد هذه القرارات الحاسمة قبل إنهاء دراستها في المرحلة الثانوية، كانت تعلم جيدًا ما تريده، حيث اختارت دراسة برنامج ❞نظم المعلومات❝ في جامعة كارنيجي ميلون في قطر. بالنسبة لها كان الاختيار مثاليًا على الرغم من أنه ليس من المجالات التي غالبًا ما تجذب الطالبات في قطر، فقد كانت دومًا شغوفة بالعلم ومنبهرة بقدرته على تقديم حلول لتحديات البشرية، كما كانت تحب أيضًا المجالات الإبداعية مثل الفن، وبالتالي أتاح لها مجال ❞نظم المعلومات❝ الجمع بين الشغفين.

وخلال فترة الدراسة الجامعية، أظهرت الطالبة الشابة مواهب عديدة، حيث أسهمت في إنجاح مشروعات بحثية كبرى وتطوير تطبيقات  حائزة على جوائز، قبل أن تنال درجة البكالوريوس بامتياز مع مرتبة الشرف. كما نالت أيضًا الميدالية الذهبية عن فئة ❞الطالب الجامعي المتميز❝ خلال يوم التميز العلمي عام 2019.

التحقت الشيخة لطيفة بعد ذلك بالعمل كمتدربة في مايكروسوفت قطر التي اختارتها في فبراير 2018 لتولي منصب المدير التنفيذي لقطاع التعليم الذي تعمل من خلاله في دعم الكيانات التعليمية في قطر خلال عملية التحول الرقمي، لتصبح بذلك أول قطرية يتم توظيفها في عملاق التكنولوجيا الأمريكي.

من خلال لقاء عبر الإنترنت، حدثتنا الشابة القطرية الملهمة عن مسيرتها الأكاديمية والمهنية، ووجهت بعض النصائح لكل من يرغب في اكتشاف شغفه المهني، تعرفوا عليها من خلال السطور التالية:

في البداية، هل من الممكن أن تمنحي قراءنا نبذة عن مجال نظم المعلومات؟

نظم المعلومات مجال واسع نستخدم من خلاله التكنولوجيا في جمع ومعالجة وتخزين وتوزيع المعلومات بطريقة فاعلة ومفيدة. بمعنى أكثر بساطة، يساعدنا هذا المجال على إيجاد أفضل الطرق للاعتماد على التكنولوجيا في تقديم حلول للتحديات التي تواجهنا خلال العمل. إنه مجال مميز يناسب أي شخص يحب العلوم والتكنولوجيا.

لماذا اخترت دراسة هذا التخصص في جامعة كارنيجي ميلون في قطر؟

برنامج نظم المعلومات الذي تقدمه جامعة كارنيجي ميلون في قطر يعد واحدًا من أفضل برامج نظم المعلومات في العالم، ومن الرائع أن تحصل على فرصة دراسة برنامج بهذا المستوى في بلدك ووسط عائلتك، لذلك قررت البقاء في قطر رغم توفر العديد من الخيارات أمامي للدراسة في الخارج. كما أن عدد الطلاب في المحاضرات قليل مقارنة مع دراسة أي برنامج مماثل في الجامعات الكبرى في الخارج، وهو ما يمنح الطلاب فرصة أكبر للتركيز والتواصل بشكل أفضل مع أساتذتهم.

هل تأملين إلهام المزيد من الطالبات القطريات لاختيار هذا المجال؟

بالتأكيد، فأنا واثقة من أن المرأة القطرية قادرة على النجاح في هذا المجال. ربما لا يتحمسن كثيرًا للالتحاق به لأنهن يعتقدن أنه مجال صعب وملائم أكثر للرجال، لكنه ليس كذلك. كل ما عليهن فعله هو بذل بعض الجهد لمعرفة المزيد من المعلومات عنه، والإيمان بقدرتهن على التميز فيه، مما سيمنحهن الدافع لتحقيق النجاح فيه.

ما هي نصيحتك لطلاب المدارس خلال مرحلة تخطيط مسيرتهم المهنية؟ كيف يمكنهم التعرف على المجال الذي يولد لديهم الشغف؟

من الطبيعي وأنت في بداية مرحلة الشباب ألا تعرف بالضبط ما تحبه. أفضل نصيحة يمكنني تقديمها لهم هي أن يمارسوا أكبر عدد ممكن من الأنشطة البعيدة عن المنهج، مثل الأنشطة الثقافية والرياضية والمجتمعية، وأن يحرصوا على استكشاف مجالات جديدة عبر القراءة والانضمام إلى دورات تعليم وتدريب. هذا ما ساعدني في تشكيل رؤيتي لما أريد أن أحققه في المستقبل. لقد ساعدني ذلك على التعرف على المجالات التي أحبها بالفعل وأشعر بالشغف تجاهها، وبالتالي عرفت جيدًا ما ينبغي على فعله لتحقيق أهدافي.

ألا تعتقدين أن عليهم الانتظار حتى انتهاء أزمة كوفيد- 19 قبل اتخاذ أي قرارات جادة بشأن مستقبلهم؟

لا أعتقد ذلك، عليهم أن يعوا جيدًا عدم قدرة أي أحد على توقع الآثار المستقبلية للأزمة الحالية أو حتى معرفة موعد انتهائها، ولكن يجب أن يدركوا في الوقت نفسه أن الوضع الحالي لن يستمر إلى الأبد، لذلك أقول لهم: واصلوا التخطيط لمستقبلكم واستمروا في العمل من أجل تحقيق أهدافكم المهنية. عليكم فقط أن تراقبوا الموقف لتكونوا على دراية بآخر التطورات. استفيدوا أيضًا من الفرص المتاحة بسبب الأزمة. تمتلكون الآن المزيد من الوقت لاستكشاف مجالات مختلفة وتعلم مهارات جديدة. يمكنكم مثلًا الانضمام إلى دورة عبر الإنترنت للتعرف على مجال جديد أو اكتساب مهارة معينة.

ما هو شعورك كأول قطرية تلتحق بالعمل في شركة مايكروسوفت؟

بالطبع أشعر بالفخر لكوني أنتمي إلى أحد أكبر شركات التكنولوجيا في العالم. لقد كنت أحلم بذلك منذ أن قمت بزيارة مقر الشركة خلال رحلة نظمتها واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا إلى وادي السيليكون في الولايات المتحدة. لقد كانت رؤية نظام العمل في الشركات العالمية تجربة مبهرة، وكنت أسأل نفسي حينها عما إذا كانت ستتاح لي فرصة العمل في شركة مماثلة يومًا ما، وها أنا ذا الآن أعمل في نفس الشركة وأنا أعيش في قطر. لا يمكنني أن أكون أكثر امتناًنا.

ما أكثر ما تحبيه في عملك؟

أكثر ما أحبه في عملي مع شركة مايكروسوفت، هو أن دوري يسمح لي بمساعدة الناس والتأثير بشكل مباشر في المجتمع. كلما أشاهد التعاون الوثيق بيننا وبين وزارة التعليم والتعليم العالي خلال أزمة كوفيد- 19، والدور المحوري الذي قمنا به لدعم نموذج التعليم وتمكين التعلم عن بعد، أشعر بفخر حقيقي لكوني جزءًا من هذه الرحلة ولقدرتنا على إظهار قوة التأثير الذي تحدثه التكنولوجيا. استمتع بالعمل في المشاريع التي تسهم في تشكيل وتغيير طريقة عمل الأفراد والمؤسسات من خلال التكنولوجيا. العمل في مجال رائد مثل التكنولوجيا وفي شركة عملاقة مثل مايكروسوفت يحمسني للعمل في مشاريع مماثلة تسمح لي بخدمة بلدي التي قدمت لي الكثير.

لديك خبرة في البرمجة، وهناك من يرى أن تعليم البرمجة للأطفال أصبح الآن ضروريًا باعتبارها لغة المستقبل، فهل تتفقين مع هذا الرأي؟

عندما يسمع الناس كلمات مثل الترميز أو البرمجة، يعتقدون أنها أمور معقدة للغاية، لكن الأمر ليس صحيحًا. تتوفر الآن العديد من المنصات والتطبيقات التي تعلم الأطفال لغات البرمجة بشكل مبسط من خلال الألعاب. تعليم أطفالنا البرمجة مهم، ولكن الأهمية لا تكمن في تعلم البرمجة في حد ذاتها، بل في المفاهيم والمهارات التي سيتعلمها الأطفال من خلالها مثل التفكير المنطقي ومهارات الحاسوب وحل المشكلات وبناء المشاريع. كل تلك المهارات من شأنها أن تساعدهم لاحقًا خلال حياتهم.

لكن البعض قد يرى أن التكنولوجيا لها تأثير سلبي على حياة أطفالهم، فهل هذا صحيح؟

لا ينبغي أن نتخوف من التكنولوجيا، كل ما علينا هو أن نستخدمها بشكل صحيح. أصبحت التكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ من حياتنا، وأعتقد أن أزمة كوفيد- 19 أكدت ذلك. ما يحتاجه الناس هو اعتبار التكنولوجيا مجرد وسيلة للتمكين وليس بديلً لأي شيء في حد ذاتها.

من الشخص الذي تقتدين به على المستوى الشخصي والمهني؟

اعتبر أن والدي هو قدوتي، حيث تعلمت الكثير من أخلاقياته في العمل. وعلى الرغم من كونه طبيبًا، إلا أنه لم يدفعني أبدًا إلى اتباع مسار مهني مماثل، بل علمني أهمية أن أفعل ما أحبه وأن أسعى لتحقيق أهدافي التي أؤمن بها. كما شجعني دائمًا على ألا أضع حدودًا لما أحلم به وأن أتبع أحلامي دومًا – وهذا بالفعل ما قمت به.

هل لديك أية هوايات أخرى؟

أحب الفن وصناعة الحلويات، كما أحرص على ممارسة الرياضة بانتظام. من الضروري أن نحافظ على التوازن بين العمل والحياة، فنحن نعيش في عالم يسير بوتيرة سريعة، وهناك دائمًا الكثير من الضغوط حولنا، لذلك ممارسة الرياضة مهمة للغاية، لأنها تساعدني على التركيز والتخلص من التوتر.