جائحة كوفيد-19 تؤكد لنا أنه لا يمكن الاستغناء عن المهارات الشخصية

Paige_Mc Donough

تتحدث بايج ماكدونو، مسؤولة التطوير المهني في مركز قطر للتطوير المهني، عضو مؤسسة قطر، عن أهمية المهارات الشخصية في مكان العمل الافتراضي الذي أنتجته الجائحة

 

لطالما كان للمهارات الشخصية مثل التعاون، والتواصل، ومهارات القيادة، دور مهمّ في مكان العمل. وقد ازدادت أهمية هذا الدور في عالم تتفشى فيه الجائحة، وتشهد فيه الأعمال تغيرًا في الشكل، وتزداد فيها الحاجة إلى العمل من المنزل. وفي ظل هذه الظروف، برزت أهمية التركيز بشكل أكبر على القدرات البشرية التي يتحلى بها المرء بالفطرة، ليُثبت فيروس (كوفيد-19) أنه من الصعب الاستغناء عن المهارات الشخصية.

وتشمل لائحة المهارات الشخصية العديد من العناصر ومن بينها: التنظيم، وإدارة الوقت، وأخلاقيات العمل، والسلوكيات الإيجابية. كما يُطلق على هذه المجموعة من المهارات تسميات أُخرى، منها المهارات الوظيفية، أو السمات الشخصية، أو المهارات الاجتماعية، أو العوامل البشرية؛ وهي كلها تسميات تشير إلى مجموعة من المهارات غير التقنية، التي باتت جزءًا لا يتجزأ من العالم المهني، حيث العلم وحده لا يكفي لإنجاز كل ما هو مطلوب.

أهمية المهارات الشخصية لم تظهر إبّان الجائحة فحسب، بل كان من المتوقع أن تزداد قيمتها، بحسب ما ورد في تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في عام 2018، حيث عدّد التقرير المهارات الشخصية الأكثر طلبًا، مثل التفكير النقدي، ومهارات الاقناع، والتفاوض، والاهتمام بالتفاصيل، والمرونة، والأصالة في الابتكار، والمبادرة، والقيادة. هذا إلى جانب الذكاء العاطفي أو التكيف الانفعالي الذي يشمل بدوره مجموعة من المهارات الشخصية ومنها إدارة العلاقات، ومراعاة الآخرين، والوعي الذاتي، والإدارة الذاتية، والمهارات الاجتماعية، وذلك بحسب مجلة “أتش آر”، وهي مجلة متخصصة في الموارد البشرية. وهذه كلها صفات لا تقدّر بثمن من أجل الحفاظ على الكفاءة الذاتية والمهنية العالية في ظلّ الأوقات الصعبة والمربكة.

كذلك أشار دليل الخريج للحصول على وظائف لعام 2020 الذي يصدره “لينكدإن” إلى أن المهارات الشخصية هي الأكثر طلبًا في مختلف المجالات، تتصدرها مهارات التواصل والقدرة على حل المشكلات. كما تعتبر المهارات الشخصية قيّمة للغاية لدرجة أن شركة “ديلويت” تتوقع أنها ستكون الصفة الأبرز لأكثر من ثلثي الوظائف في العالم بحلول عام 2030.

لقد أحدث فيروس (كوفيد-19) تغيرًا جذريًا في مكان العمل، وبشّر العالم ببدء عصر تتحدد ملامحه من خلال الاجتماعات الافتراضية والتباعد الاجتماعي، ما فرض علينا إلغاء الدوام المكتبي وإعادة تعريف تفاعلنا اليومي مع الزملاء. ويُمكن القول أن أيام الاجتماعات عن قُرب أو المحادثات غير الرسمية في غرف الاستراحة قد ولّت، واُستبدلت باجتماعات عبر تطبيقات الفيديو المختلفة. وبحسب دراسة عالمية أجرتها مجموعة “أديكو“، فإن هذا التوجه الجديد قد وُجد كي يبقى.

وفي حين أن مكان العمل الافتراضي له مميزاته، إلا أنه يستدعي أيضًا تحديات معينة على مستوى القدرة على التواصل. وهنا تكمن أهمية المهارات الشخصية، حيث اختبرنا جميعًا الصعوبات التي واكبت المكالمات عبر تقنية الاتصال المرئي، مثل الشاشات المتعطلة، والخلل التقني في الصوت، وعدم القدرة على قراءة لغة الجسد بشكل مناسب. هذه الفروقات الدقيقة في مكان العمل تجعل عملية التواصل الطبيعي عبر المحادثات صعبة إلى حدّ ما، ما يؤثر بالتالي على الإنتاجية. وبالنسبة للباحثين عن عمل، فإن القدرة على الانتقال الفعال في فضاء الاتصالات الافتراضية، والقدرة على بناء العلاقات، سيزيد بشكل كبير من أهمية الكفاءة الذاتية وسيعزز من إمكانية الحصول على وظيفة.

لا بدّ من القول أن وجود موظفين يتمتعون بمهارات شخصية متطورة سيؤدي إلى مخرجات فعالة وأكثر كفاءة، لا سيما في ظلّ اقتصاد متذبذب، ذلك أن عناصر النجاح في مكان العمل ما بعد الجائحة تتمثل في الأشخاص الذين يتحلون بالتفكير الإبداعي، والقادرين على حلّ المشكلات بموارد أقلّ، وكذلك الشخصيات القادرة على التكيّف، والتي يمكنها أداء وظائف مختلفة وتستطيع استخدام برامج جديدة، إلى جانب القادة القادرين على التواصل بوضوح حتى في ظل ظروف التباعد الاجتماعي.

كما أن فوائد وجود قوى عاملة تتمتع بمهارات شخصية ثرية ستكون نتائجها ملموسة بالنسبة للشركات، بدءًا من رفع معدل الإنتاجية والاحتفاظ بالموظفين، وصولًا إلى تعزيز ثقافة الإيجابية في الشركات. وسيكون أصحاب العمل محطّ تقصير في حال لم يركزّوا على المهارات الشخصية. فقد وجدت دراسة أُجريت في جامعة ميشيغان أن التدريب على المهارات الشخصية ساهم في توليد عائدات على الاستثمار بنسبة 256 في المائة.

انطلاقًا من عملي في مجال الإرشاد والتوجيه المهني، غالبًا ما يُطرح عليّ السؤال نفسه أكثر من مرّة، وهو: كيف يُمكنني أن أكون أكثر قدرة على المنافسة في سوق عمل مشبع بالباحثين عن عمل؟ الجواب ببساطة، هو في التركيز على تطوير مهارتك الشخصية. فالمؤسسات تحتاج إلى موظفين يتمتعون بالمرونة والقدرة على التكيف، والتضامن، والإبداع، والقوة في التواصل، لقيادة جهود التعافي بعد الجائحة.

إذن كيف يمكنك تطوير المهارات الشخصية الكفيلة بتحسين حياتك المهنية؟ الجواب لا ينحصر في الفصول الدراسية التقليدية بل في مجموعة من الأنشطة الإضافية خارج المنهج الدراسي. فبالتأكيد، يمكنك حضور دورة تدريبية عن القيادة، أو يمكنك إظهار مهاراتك القيادية من خلال التجارب الواقعية، مثل التطوع في منظمات محلية، أو التسجيل لتكون معلمًا أو موجهًا للطلاب، أو القيام بمشروع جديد، حيث سيكون بإمكانك استكشاف وجهات نظر مختلفة والتعرّف على أفكار جديدة. كل هذه التجارب توفر فرصًا ملموسة لإثبات قدرتك على التعاون والقيادة والاستماع والتفاوض والتحفيز.

كذلك يمكن تعزيز مهارات العمل الجماعي من خلال الانضمام إلى نادٍ أو مجموعة طلابية أو فريق رياضي أو جمعية مهنية. حيث يشير العديد من أخصائيي التوظيف إلى أهمية وجود مهارة العمل الجماعي في السير الذاتية للمرشحين للوظائف، لأنه يوضح القدرة على العمل بشكل جيد.

حتى اليوم، لم تظهر بعد الآثار التي ستتركها هذه الجائحة على المدى الطويل. وفيما تتركز الجهود على إعادة النمو الاقتصادي، فإن إظهار المهارات الشخصية، مثل العمل الجماعي والذكاء العاطفي، سيساعدنا في الحفاظ على استقرارنا وسط تلك الظروف الاستثنائية والأحوال المضطربة. وبينما نمضي قدمًا نحو مستقبل غير واضح المعالم، ندرك أيضًا أنه من الصعب الآن، أكثر من أي وقت مضى، الاستغناء عن المهارات الشخصية.