احتفالًا باليوم الدولي للمرأة والفتاة في ميدان العلوم إسهام مهندسات قطر المميز في قطاع الطاقة الحيوي

إن تسليط الضوء على حجم الإسهامات التي تقدمها مهندسات قطر الشابات في سبيل التنمية المستدامة للدولة يتطلب منا أن نستعرض معكم أحد أهم القطاعات الإنتاجية فيها، وهو قطاع الطاقة، والذي
تلعب فيه ضيفة مجلة “دليلك المهني”، المهندسة ريم حسين العبد الله دورًا هامًا فيه بصفتها مديرة لقسم تكنولوجيا الإنتاج في إحدى أكبر شركاته. وقصة المهندسة ريم خير مثال لقدرة شابات قطر على العمل والإبداع في مجالات كان يُعتقد مسبقًا أنها حكرٌ على الرجال رغم أهميتها للمجتمع ككل؛ فتخيل عالمنا بدون مصادر للطاقة! مبدئيًا، سنضطر للعيش بدون كهرباء أو وسائل نقل واتصال حديثة. وستتوقف المصانع والمشافي ومعظم مشاريع البنية التحتية. سيكون الأمر بمثابة عودة بالزمن إلى قرون مضت. قد يجعلك ذلك تدرك أهمية هذا القطاع البالغة، بكل ما فيه من مجالات وأنشطة وتخصصات متنوعة، في تشكيل حاضرنا وبناء مستقبلنا. ستتعرف من خلال السطور التالية على أحد أبرز التخصصات في هذا القطاع، وهو هندسة البترول.

تجمع هندسة البترول بين مفاهيم ومبادئ تخصصات مثل الهندسة الكيميائية والجيولوجيا والفيزياء من أجل استكشاف وإنتاج الموارد الهيدروكربونية، وخاصة النفط الخام والغاز الطبيعي.

بدأت ملامح هذا المجال الهندسي في الظهور خلال مطلع القرن التاسع عشر. فرغم أن هناك أدلة على استخدام البترول خلال العصور القديمة لأغراض مختلفة مثل الإضاءة والبناء أو حتى العلاج، كانت البداية الحقيقية لصناعة النفط في منتصف القرن التاسع عشر، وبالتحديد في عام 1859 بولاية بنسلفانيا الأمريكية، عندما ابتكر الكولونيل إدوين دريك أسلوبًا جديدًا في الحفر بالاعتماد على محرك بخاري، مكنه من استخراج النفط من أعماق الأرض وتأسيس أول بئر نفط تجاري في التاريخ. جاءت تلك اللحظة لتنهي قرونًا من الاعتماد على التسربات الطبيعية والآبار الضحلة للحصول على النفط وتعلن انطلاق عصرٍ جديد من استكشاف الطاقة. في وقت قصير، انتشر التنقيب عن البترول بهذه الطريقة الأسرع والأكثر كفاءة، وأصبحت الطاقة أرخص وأكثر وفرة ليتغير عالمنا للأبد. واجتاحت حُمّى “الذهب الأسود” جميع أنحاء العالم، وتزايد الطلب على مهنيين مدربين في استكشاف واستخراج النفط، لتؤسس جامعة بيتسبيرغ الأمريكية أول برنامج لهندسة البترول في عام 1915، وتكون تلك البداية الحقيقية لهذا التخصص

تختلف المهام المنوطة بمهندس البترول بحسب دوره في المشروع، لكنها في الغالب قد تشمل تصميم وإدارة عمليات التنقيب وحفر الآبار والاستخراج الآمن والفعال للنفط والغاز. كما تتضمن تحليل البيانات الجيولوجية وتقييم حجم وخصائص المكامن والمخاطر المرتبطة بالمشروع.

ويحتاج مهندس البترول إلى أن يكون مطلعًا على أحدث الأبحاث والتقنيات التي تعزز عمليات الاستكشاف وتحسن إنتاجية الآبار، مع ضمان الامتثال للوائح المحلية والدولية التي تحكم عمليات استخراج وإنتاج النفط والغاز وتضمن حماية البيئة. يتطلب دوره كذلك التعاون مع فريق متعدد التخصصات قد يضم فنيين ومهندسين ومقاولين وجيولوجيين وخبراء حفر.

إذا كنت تحب دراسة مواد مثل الرياضيات والعلوم والهندسة والجيولوجيا والفيزياء، فتخصص هندسة البترول قد يكون مناسبًا لك. ولخوض مسيرة مهنية في هذا المجال، تحتاج للحصول على درجة البكالوريوس في هندسة البترول، وتلقي التدريب المناسب، مع اجتياز أي اختبارات مطلوبة لنيل ترخيص مزاولة المهنة.

ورغم أن البعض قد يرى أن مستقبل مهنة مهندس البترول لا يبدو مبشرًا مع التوجه العالمي نحو الاعتماد على الطاقة المتجددة لمواجهة مشكلة الاحتباس الحراري، لكن الأمر لا يبدو كذلك، فالعالم ما زال يعتمد على النفط والغاز كمصدر أساسي للطاقة، وعملية الانتقال بشكل كامل نحو الاعتماد على الطاقة المتجددة سيحتاج لعدة عقود، وبالتالي من المتوقع أن يظل هناك طلب على مهندسي البترول للإسهام في اكتشاف احتياطيات جديدة وتطوير تقنيات تحسن الإنتاج وتقلل التأثير السلبي على البيئة. كما أن المعرفة والمهارات والخبرات التي يكتسبها مهندس البترول من خلال الدراسة والعمل يمكن أن تشكل أساسًا متينًا للانتقال للعمل في التخصصات الهندسية المختلفة مثل الهندسة الكيميائية أو الهندسة البيئية، أو حتى الانتقال إلى قطاع الطاقة المتجددة بعد الحصول على المعرفة والتدريب المطلوبين.

تقدم جامعة تكساس إي أند أم في قطر – إحدى الجامعات الشريكة لمؤسسة قطر، برنامج بكالوريوس العلوم في هندسة البترول وتبلغ مدة الدراسة فيه أربع سنوات، وهو أحد أفضل برامج هندسة البترول الجامعية في الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنه معتمد من قبل لجنة الاعتماد الهندسي “EAC” التابعة لمجلس الاعتماد للهندسة والتكنولوجيا في الولايات المتحدة “ABET”.
ريم حسين العبد الله
مهندسة بترول ومدير قسم تكنولوجيا الإنتاج
إحدى مؤسسات قطاع النفط والغاز

كنت دومًا أرغب في أن أكون مهندسة، وتحقق حلمي في عام 2009 بتخرجي من جامعة تكساس إيه أند أم في قطر بدرجة البكالوريوس في هندسة البترول، ومن ثم بدأت بعدها مسيرتي المهنية من خلال العمل في إحدى مؤسسات قطاع النفط والغاز.
في البداية واجهت تحديات عديدة لكوني فتاة تعمل في مهنة اعتاد المجتمع على اعتبارها غير مناسبة للإناث، لكنني كنت عازمة على تحقيق النجاح وإثبات كفاءتي.
خلال السنوات الأولى، تطلب عملي زيارة مواقع حقول النفط والغاز من أجل الإشراف على عمليات التنقيب والحفر وتحديد أفضل الطرق التي تسهم في الاستخراج الآمن للنفط أو الغاز وزيادة الإنتاج. كما توجب علي حضور اجتماعات دورية في مواقع بعيدة عن الدوحة. كنت أقوم بذلك وأنا سعيدة وكان شغفي يدفعني دومًا للسعي نحو خوض تجارب جديدة في العمل من أجل اكتساب الخبرة. كنت كذلك حريصة على تطوير مسيرتي المهنية، فحصلت في عام 2016 على درجة الماجستير في مجال هندسة وعلوم جيولوجيا تقدير احتياطات النفط والغاز من المعهد الوطني للبترول والطاقة المتجددة في فرنسا، “IFP SCHOOL”، وهو أحد أعرق المؤسسات الأوروبية في الدراسات العليا في مجالات النفط والغاز. أتولى حاليًا منصب مدير قسم تكنولوجيا الإنتاج، وترتكز مهام عملي حول تحديد التكنولوجيا المناسبة لعمليات الحفر وتطوير الآبار وزيادة الإنتاج، وبشكل عام الاعتماد على خبرتي من أجل إيجاد حلول لأي تحديات قد تواجه المشروع.

لا توجد كلمات أستطيع أن أفي بها حق عائلتي فيما حققته من نجاح. لقد تركوا لي حرية اختيار التخصص وشجعوني. كانوا الداعم الأول لمسيرتي الدراسية والمهنية وما زالوا يدعمونني حتى الآن ويحتفلون معي بأي إنجاز أحققه.
أنصح الآباء والأمهات بأن يساعدوا أبناءهم في اكتشاف شغفهم المهني منذ المرحلة الإعدادية، لأنها المرحلة التي يجب أن يحدد فيها الطالب ميوله المهنية، وفي الوقت نفسه عليهم أن يدرسوا جيدًا احتياجات سوق العمل المستقبلية. لا يعني ذلك بالطبع إجبارهم على تخصص معين. أتيحوا لهم أكثر من خيار، واتركوا لهم فرصة اتخاذ القرار بأنفسهم قبل التخرج من المرحلة الثانوية.
أكثر ما أحبه في مجال عملي هو خلوه من الروتين. كل مشروع يختلف عن الآخر، لكل منهم تحدياته، وهناك جديد كل يوم. يتطلب العمل في كثير من الأحيان التنقل بين عدة مواقع والبحث عن حلول لمشكلات مختلفة، وهو ما ينمي قدرتك على الإبداع. الأمر ممتع! احتاج كذلك لمتابعة أحدث الأبحاث والاطلاع على أي أفكار جديدة في مجال عملي أولًا بأول لأنه يتطور باستمرار. كما أشعر بالفخر والسعادة لعلمي أن كل خطوة أنجزها في مهنتي تسهم في تطوير قطاع النفط والغاز في بلدي وتدعم اقتصاده.
لخوض مسيرة مهنية ناجحة في أي مجال، عليك أن تبدأ بإعداد نفسك في المرحلة الإعدادية، أو على الأقل في المرحلة الثانوية، من خلال استكشاف مهاراتك وتنمية قدراتك. تنظيم الوقت والالتزام والاجتهاد ثلاثة مفاتيح مهمة لكل من يرغب في تحقيق النجاح المهني. خصص وقتًا للدراسة وإنجاز الواجبات والمشاريع، وتعلم أن تلتزم به وتجتهد بقدر المستطاع من أجل إنجاز ما عليك.

فقد تكون ذكيًا لكن إذا لم تجتهد لن تحقق أي شيء. اصقل تلك القدرات خلال مرحلة الدراسة في الجامعة، وحينما تبدأ حياتك المهنية، ستدرك تمامًا مدى أهميتها وتستفيد منها خلال عملك.
أنصح الطلبة بالانخراط في مجال الهندسة واختيار تخصص هندسة البترول. الهندسة مجال رائع ومستقبله واعد. قد يعتقد البعض أن سوق العمل في دولة قطر لا يحتاج للمزيد من مهندسي البترول في المستقبل، لكن النفط والغاز موردان أساسيان لاقتصاد دولة قطر، وسيظل هناك دومًا طلب على مهندسي البترول قد تهاب بعض الفتيات اقتحام المجالات الهندسية لمفاهيم خاطئة من بينها أنها مجالات صعبة أو لا تناسب الفتيات، لكن الأمر مختلف تمامًا. لم تعد هناك تحديات مماثلة لما واجهناه قبل 15 عامًا، سواء خلال الدراسة أو في مجال العمل. اعتقد أننا مهدنا الطريق للأجيال المقبلة. نحاول أن نوضح ذلك للطالبات من خلال لجنة المهندسات القطرية “قوية” التي أتشرف بكوني إحدى عضواتها ومؤسساتها. أشعر دومًا بالشغف عند الحديث عن مجالي وعند تعريف الفتيات به.