بمناسبة اليوم الدولي للغات الإشارة مركز قطر للتطوير المهني في لقاء خاص مع “ناجي زكارنة، الأمين العام للمنظمة العربية للغة الإشارة

لغة الإشارة، أو لغة الصمت كما تُسمى في بعض الأحيان، هي من السبل الفريدة التي طُورت للتواصل مع الصم وضعاف السمع، فهي تتجاوز حدود اللغة التقليدية وارتباطها بالنطق، لتربط الأفراد من مختلف القدرات بإيماءات وحركات تعبيرية مبتكرة.

ونظرًا لقيمتها الإنسانية البليغة، تحتفل الأمم المتحدة يوم 23 سبتمبر من كل عام باليوم الدولي للغات الإشارة والذي يأتي هذا العام تحت شعار: “نحو عالم يستطيع فيه الصم ترك إشارتهم أينما كانوا”، لتؤكد مجددًا على الدور الذي تلعبه لغات الإشارة في جسر الهوة بين المجتمع وبين الصم وضعاف السمع، والإمكانيات التي تتيحها لهم للمساهمة الفعالة في مجتمعاتهم على الصعيدين الجماعي والفردي.

وبهذه المناسبة، أجرى فريق مركز قطر للتطوير المهني مقابلة مع أحد أعلام مجال ترجمة لغات الإشارة، السيد ناجي زكارنة، خبير لغة الإشارة والأمين العام للمنظمة العربية للغة الإشارة، والذي يشغل عددا من المناصب بينها صحفيًا ومترجمًا للغة الإشارة في شبكة الجزيرة الإعلامية المرموقة، ومستشارًا للإعاقة السمعية بالجمعية القطرية لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة.

وفي مستهل اللقاء، أطلعنا ناجي على قصته الملهمة، والأثر العميق الذي تلعبه لغة الإشارة في حياة الصم، وفي مجتمعاتهم على حد سواء.

وقد كان لتجارب ناجي الحياتية دورًا محوريًا في تشكيل قرارته المهنية ليكون أحد أبرز المناصرين لحقوق الصم وضعاف السمع، حيث تعود قصته في العمل مع لغة الصمت ومجتمع الصم إلى ما يربو عن ثلاثة عقود، ساهم فيها بنشر الوعي وتثقيف وتدريب الآخرين حول حقوق الصم وسبل التواصل معهم كلغة الإشارة بهدف تيسير وصولهم إلى مصادر المعلومات، وأدوات التعلم، وفرص العمل والنجاح أسوةً بأقرانهم في المجتمع.

نأخذكم معنا عبر السطور التالية في لمحة سريعة عن تجربة البروفيسور ناجي في عالم لغة الإشارة، وما ألهمه لتعلمها والتخصص بها في قصة ملهمة تبين عمق الأثر الذي تحمله هذه المهنة وجهوده المتواصلة على مدار 35 عامًا.

س: تحتفل الأمم المتحدة يوم الثالث والعشرين من سبتمبر باليوم العالمي للغة الإشارة تحت شعار “نحو عالم يستطيع فيه الصم ترك اشارتهم أينما كانوا”. وبحسب الأمم المتحدة فإن ثمانين في المئة من الصم في عالمنا يعيشون في بلدان نامية، ورغم ذلك نشهد قصورًا في الوعي حول أهمية لغة الإشارة في تسهيل حياة الأصم أو ضعيف السمع في هذه البلدان. ما هو السبب في تقديرك؟ وكيف يمكن لنا أن نساعد كأفراد ومجموعات في جسر هذه الهوة؟

ناجي: “أولًا، إن أعداد الصم في العالم كبيرة جدًا. ونحن ننصح جميع المسؤولين المختصين بتدريب وتعليم لغة الإشارة ونشرها في العالم لمساعدة الصم وأسرهم. والهدف هو فتح الطريق أمام الصم لنتعلم ونفهم كيف نساعدهم محليًا وحول العالم”.

س: ما الذي شجعكم على اتخاذ مهنة مترجم لغة الإشارة، وما التجارب الشخصية أو الأفكار التي شجعتكم أو الهمتكم لهذا الاختيار؟

ناجي: “أعمل مع الأشخاص الصم منذ ما يزيد عن خمسة وثلاثين عامًا. أحببت مساعدة الصم، وكان الهدف أولًا وأخيرًا الأجر، وثانيًا توعية الصم في جميع مجالات الحياة المختلفة؛ فالصم بحاجة إلى توعية وإلى ثقافة وإلى علم كغيرهم. ويجب أيضًا أن نأخذ بيد الأصم بالتعليم داخل المدارس”.

س: تلعب ترجمة لغة الإشارة دورًا محوريًا في تسهيل تواصلنا مع مجتمع الصم وضعاف السمع، هل يمكنك مشاركة بعض التجارب والقصص التي تفخر بها والتي تسلط الضوء على الأثر العميق الذي أحدثه عملك على الأفراد والمجموعات؟

ناجي: “هناك الكثير من القصص منها المحزن ومنها السعيد. أما القصص السعيدة، فمنها أني أساعد، والحمد لله، الأشخاص الصم بالعمل وأيضًا بالزواج. وبالمقابل أذهب معهم أيضًا إلى المحاكم المختلفة وإلى المستشفيات وأي مكان آخر يمكن أن أساعد فيه الأصم حتى يكون سعيدًا”.

تتطلب ترجمة لغة الإشارة مجموعة فريدة من المهارات وفهمًا عميقًا للّغة والثقافة. هل يمكنك توضيح فوائد كونك مترجمًا للغة الإشارة، سواء من حيث تحقيق الذات أو النمو المهني؟

ناجي: “كانت بداية رحلة تعلمي للغة الإشارة على يد الصم أنفسهم. وفي مراحل لاحقة تطورت الأمور فتعلمت الكثير من الكلمات المختلفة. والسبب أنني أعرف ثقافة الشخص الأصم نفسيًا، وأعرف كيف أتواصل مع الشخص الأصم. والآن أنا على في مستوىً عالٍ من المهارة في لغة الإشارة، والحمد للّه. أعمل الآن في قناة الجزيرة دائمة التغير والتطور، والمتجددة في جميع برامجها، وكمترجم للغة الإشارة أسعى لأخذ الأفكار البناءة والأفكار الجميلة ونقلها الى الأشخاص الصم بهدف التوعية وزيادة الثقافة لديهم”.

س: ما النصيحة التي تقدمها للأفراد المقبلين على خوض مجال ترجمة الإشارة، خاصة فيما يتعلق بالتعليم والتدريب والتحديات التي قد يواجهونها في هذا المجال؟

ناجي: “إن المسؤول الأول هو الأسرة، ونحن نتعاون دومًا مع الأسر في صقل شخصية الشخص الأصم والمساعدة في تطوير أفكاره، وذلك لأنه من المستحيل علينا نحن كمترجمين بشكل منفرد أن نساعد بالشكل المطلوب، ويلزم لذلك أن يكون هناك تعاونًا ما بين المجتمع المحلي والعربي، وأيضًا داخل المدارس والأسرة، لنتكاتف جميعًا مع بعضنا البعض في صقل مهارات الشخص الأصم بالفكر والثقافة والعلم والتطور”.

س: من خلال مسيرتك المهنية، حدثنا عن حادثٍ طريفٍ وآخر واجهتم فيه تحديًا أثناء عملك؟

ناجي: “نعم هناك قصص جميلة كثيرة! فمثلًا، كنت أنا مع الصم جالسين داخل حافلة في طريقنا إلى مباراة كرة قدم، وخلال جلوسنا في الحافلة شاهدنا في الشارع عجوزًا، فأخبرت السائق أن يتوقف ويدعو العجوز لصعود الحافلة. جاءت العجوز وجلست معنا داخل الحافلة، وكنا نتواصل حولها بالإشارة فقط. وأخذت العجوز تتلفت يمنةً ويسرة، والخوف يملأ عينيها. لاحظت أنها خائفة وسألتها لماذا أنت خائفة؟ فتعجبت: “أنت تتكلم؟! لا، لا أريد البقاء، أنزلوني من الحافلة، لا أريد!” حيث ظنت أننا نستطيع الكلام جميعًا لكننا نتآمر بالإشارة على اختطافها!”