بثينة الجناحي .. قوة الكتابة

بثينة الجناحي .. قوة الكتابة
يعيش المشهد الثقافي في دولة قطر حالة فريدة من الازدهار في ظل حرص الدولة على توفير الدعم للمبدعين في شتى المجالات، فلا يكاد يمر أسبوع إلا وتتزين العاصمة القطرية بحدثٍ ثقافي أو معرضٍ فني، كما كان لانضمام صروح مثل مكتبة قطر الوطنية ومتحف قطر الوطني إلى المشهد أبلغ الأثر في تعزيز سبل التعلم والمعرفة، وإطلاق عنان الإبداع في عقول الشباب والنشء.وتعد الكتابة من الفنون الأدبية التي ازدهرت بشكل لافت خلال الأعوام الأخيرة، خاصة مع اهتمام وزارة الثقافة والرياضة بالوصول إلى كافة أطياف المجتمع عبر مراكزها الثقافية والفنية في جميع أنحاء الدولة، وهو الأمر الذي أسهم في ظهور أجيال شابة توجهت نحو الأدب والكتابة وسط بيئة خصبة ظهرت فيها منصات إبداعية جديدة، كما ازداد فيها الاحتفاء بالكتاب والكتب، وأصبح هناك رونقٌ خاص لجوائز الكتابة والدراما من خلال فعاليات مثل مهرجان جائزة كتارا للرواية العربية.

وكان من بين المبادرات الخاصة اللافتة في الفترة الأخيرة، مشروع “قلم حبر” الذي أسسته الكاتبة بثينة الجناحي في عام 2018، وهو مشروع يهدف لمساعدة الأجيال الشابة على تطوير مهارات الكتابة الإبداعية من خلال دورات وورش عمل يقدمها كتاب مخضرمون وبارزون في الساحة الأدبية. التقينا بالكاتبة الشابة التي تحدثت معنا عن مشروعها والأسباب التي دفعتها لإطلاقه، وعن رأيها في الكتابة كمهنة، كما وجهت بعض النصائح الثمينة للشباب الراغبين في تحسين مهاراتهم الكتابية، أو ربما اتخاذ مسيرة مهنية في مجال الكتابة.

فكرة “قلم حبرة” غير تقليدية بالنسبة لمشروع هادف للربح، ولكن الكاتبة الشابة كانت تمتلك الدوافع الكافية لتأسيسه بعد دراسة متأنية للمشهد الثقافي المحلي امتدت لسنوات كانت خلالها حاضرة بقوة عبر كتاباتها في جريدة العرب اليومية، حيث تقول: ”تم تأسيس مشروع قلم حبر بسبب الشعور بوجود فجوة كبيرة جدًا ما بين المخضرمين والشباب في القطاع الثقافي. والسبب الرئيسي في ذلك أن الفئة الشابة ترهب نظيرتها المخضرمة التي تنتقدها بسبب أمور مثل ضعف مصطلحاتها في اللغة العربية أو الأساليب التي قد تعتبر  ركيكة”.

“تساءلت لما لا تكون هناك أساليب جديدة تقرب الفئتين من بعضهما البعض؟ واتضح لي أن المنصات الأدبية الكلاسيكية الموجودة حاليًا في الساحة الثقافية القطرية لا تجذب الشباب بشكل كاف. لذا عملت على تأسيس منصة شبابية، نقدم من خلالها أنشطة وفعاليات متنوعة تمد جسور التعارف والتواصل بين الشباب والكتاب المخضرمين في إطار جذاب وعصري“.

ورغم أن “قلم حبر” اكتسب شعبية لا بأس بها بين الشباب خلال فترة وجيزة، ترى مؤسسة المشروع أنه من المبكر الحكم على نتائجه، حيث توضح: “هدفنا هو الإسهام في تطوير مجال الكتابة الإبداعية في قطر، وتحقيق المزيد من التعاون مع الجهات المعنية في الدولة. فهناك شريحة كبيرة بين الشباب متعطشة لاستكشاف هذا المجال الأدبي. ونحن نطمح لمساعدتهم في تطوير موهبتهم، كما نأمل أيضًا في استقطاب المزيد من الكتاب المخضرمين. المشروع ما زال في بدايته، وأمامنا الكثير من العمل لإنجازه“.

مهارة أم موهبة

لم تكتشف بثينة الجناحي موهبتها في الكتابة إلا بعد التحاقها بالجامعة، التي بدأت مسيرتها فيها بدراسة الهندسة، قبل أن تقرر تغيير مسارها والالتحاق بكلية الآداب والعلوم في جامعة قطر، حيث تخصصت في دراسة الشؤون الدولية، ثم بدأت بعدها التوجه نحو الكتابة، وعن ذلك تقول: “بدأت تنمية مهارة الكتابة لدي مع دخولي الجامعة، خاصة بعد أن تعرفت على نخبة واسعة من المفكرين والمثقفين الذين ألهموني بآرائهم الشخصية. تأثري بالسقف الحر في التفكير وحرية التعبير الكامن في الحرم الجامعي كان نقطة انطلاقتي، وأعتقد أن الكتابة هي التي اختارتني، فقد جعلت لضميري الساكن صوتًا، وغاية لا تقف عند الحواس الخمس“.

وترى الكاتبة القطرية أن الكتابة خليط ما بين مهارةٍ تُكتسب وموهبةٍ تبرز فيها شخصية الكاتب، ولكنها في كل الأحوال لا بد أن تكون من الأساسيات لكل من يبحث عن خوض مسيرة مهنية ناجحة، لأن من المستحيل أن ينخرط الإنسان في أي مجال لو افتقد لمهارات كتابية ولفظية مناسبة لأجوائه المهنية. وتنصح الكاتبة كل من يرغب في تطوير مهارة الكتابة لديه قائلة:” بالطبع القراءة هي الأساس! فإذا كانت قراءتنا ضعيفة، ستكون مهارة الكتابة أيضًا ضعيفة. اقرأ في مجالات مختلفة، وتعرف على مصطلحات جديدة. ابحث عن معاني الكلمات في المعجم، وتعلم من أخطائك السابقة وتفادى تكرارها في المستقبل. كل ذلك من شأنه أن يصقل مهارة الكتابة لديك. اجعل الكتاب رفيقًا لك وخصص وقتًا يوميًا للقراءة. لا تكتف بقراءة المنشورات في وسائل التواصل الاجتماعي!“.

الكتابة كمهنة

أما بالنسبة لاتخاذ الكتابة كمهنة، تعتقد الجناحي أن في الوقت الحالي قد يكون الأمر ممكنًا فقط إذا كان الكاتب يعمل في مجال مثل الدراما أو الإعلام أو الصحافة، أما إذا كان اعتماده فقط على مبيعات كتبه كمصدر رزق، فالأمر ما زال صعبًا في المنطقة العربية مقارنة مع الغرب. وتوجه الجناحي النصائح التالية لكل من يرغب في تحقيق نجاح بمجال الكتابة الأدبية: “اكتب باستمرار! بعدها سيكون بإمكانك التقدم في المراحل الكتابية من حيث اختلاف نوعية الطرح، ومن ثم سيكون عليك التعرف جيدًا على نوعية قراءك والمواضيع التي تكمن فيها قوتك الكتابية“.

وتعتقد الكاتبة أن التأثر بأسلوب كُتاب آخرين في بداية مسيرتك أمر طبيعي، حيث تقول: “لا توجد أي مشكلة إذا تأثرت بأسلوب كاتب آخر في بداية مشوارك، فمن الطبيعي أن يتأثر الكاتب بأسلوب أدباء سبقوه إلى هذا العالم، ولكن المهم أن تكون حبكتك مختلفة. مع الوقت والتجربة ستتعلَّم كيف تبني حبكتك الخاصة“.

العديد من الكتاب الشباب قد يتوقفون عن الكتابة في حالة عدم تحقيق أعمالهم الأولى للنجاح الذي توقعوه، ولهؤلاء تقول الجناحي: ” الكاتب الناجح لا يضع سقفًا لطموحاته. عليك أن تكون ذكيًا وأن تعي الفارق بين الآراء السلبية والنقد البناء. يجب ألا تأخذ الآراء السلبية بعين الاعتبار، بقدر ما عليك تقبُل النقد البناء الذي من شأنه أن يساعدك على عملية التحسين والإصلاح. القرار متروك بيدك، وفي كلتا الحالتين عليك ألا تستسلم“.