القوة الحقيقية التي تهزم ”الواسطة“

 جاكلين نوتنغهام

المرشدة الجامعية في برنامج الجسر الأكاديمي

 

كل يوم هناك شيء ما يذكرني كم أن العالم صغير من حولنا. فمع كل ذكرى تمر في عقلي، أجدني على اتصال بالعالم حولي في الزمان والمكان.

هل سمعت من قبل عن نظرية ”ست درجات من التباعد“؟  إنها فكرة طرحها الكاتب المجري فريكيس كارنثي في عشرينيات القرن الماضي، ولاقت رواجًا كبيرًا بعد ذلك، مفادها أن أي شخصين في العالم يمكن الربط بينهما عبر ستة أشخاص آخرين على الأكثر.

بعبارة أخرى، يربطنا ”أصدقاء أصدقائنا“ بطرق تتخطى ما نعرفه أو ما يمكننا تخيله.

لقد جربت ذلك بنفسي مؤخرًا عندما قدمني صديق تركي، تخرج من نفس الجامعة التي تخرجت منها (جامعة فرجينيا للتقنية)، إلى جاره الذي نشأ في نفس المدينة الجامعية. لاحقًا، تبين لي أن هذا الجار يمتلك صديقًا فقد وظيفته خلال أزمة جائحة كوفيد-19، وهو في الوقت نفسه أفضل أصدقاء لابن اثنين من زملائي السابقين المقربين. في النهاية، تمكنت من تقديم بعض الإحالات إليه لفرص عمل محتملة، حتى حظي في نهاية المطاف بوظيفة بدوام كامل.

بفضل روابطنا المشتركة، ومن خلال الفعل البسيط المتمثل في الحفاظ على العلاقة مع فرد واحد، قادني صديقي التركي إلى مساعدة شخص آخر، شخص غريب. لقد أحدث فرقًا. والآن أصبح هذا الغريب على صلة بي وبات يشكل جزءًا من شبكة معارفي الأكبر.

ربما سمعت من يقول لك في مجال الأعمال أن ما يهم هو ”من تعرف“، وليس”ما تعرف“. في حين أن مفهوم ”الواسطة“، أي المحسوبية، معروف جيدًا في هذا المجال، فإن فكرة أن تكون ذو علاقات واسعة ليست مألوفة بنفس المستوى. ويسلط مالكوم جلادويل، في كتابه “نقطة تحول”، الضوء على قوة المعارف والعلاقات، والدور الرئيسي الذي تلعبه في الجمع بين الناس.

ففي عالم اليوم الذي تسوده ثقافة الـ ”لايك“ و”المتابعة“، يسعى الناس في جميع أنحاء العالم لأن يكونوا أكثر انفتاحًا لكسب المزيد الظهور، وهو ما ينعكس في عدد متابعيهم على تويتر، وأصدقائهم على فيسبوك، واتصالاتهم عبر لينكد إن. لكننا نميل إلى نسيان أنه من أجل المضي قدمًا، يجب أن ننمي هذه العلاقات ونطورها. لا تتعلق الشبكات فقط بكونك ”على تواصل“، بل عليك بناء العلاقات ورعايتها – أي التواصل بشكل فعلي.

وهذا يعني إيجاد طرق لمساعدة الآخرين، وبناء علاقات طويلة الأمد مع معارفك ، لأن ذلك في غاية الأهمية من أجل النمو على المستوى الشخصي والمهني، إلى جانب أيضًا بناء سمعة طيبة مع مرور الوقت.

في كتابه ”علاقات القوة“، يشير الكاتب أندرو سوبيل إلى أنه عندما يتعلق الأمر بشبكة العلاقات، فإن الجودة أهم من العدد أو الكمية. فالعلاقات القوية توفر لنا الدعم خلال الأوقات الصعبة، وتنمي مواهبنا، وتدفعنا إلى تحقيق أمور مذهلة. باختصار، إنها من نوع العلاقات التي يمكن أن تحقق أحلامنا. لكنها في الوقت نفسه علاقات مثمرة، لأنها تتطلب منا تقديم العطاء والدعم، ومساعدة الآخر في النمو أيضًا.

كذلك تؤثر العلاقات أيضًا على حياتنا المهنية والشخصية. إذ يلعب الأشخاص الذين نلتقي بهم ونصادقهم ونتعاون معهم، وحتى أولئك الذين نحبهم، دورًا كبيرًا في تشكيل مستقبلنا. فإذا كنت تريد التواصل مع شخص ما، يجب أن تجد الطريقة المناسبة لمساعدته. غالبًا ما تخلق اللفتات اللطيفة والمبادرات روابط من شأنها أن تعزز العلاقة بشكل كبير.

كان هذا هو الحال عندما وافقت على خوض اجتماع افتراضي مع زميلة في نفس المجال، كانت قد درست نفس برنامج الدراسات العليا الذي درسته في جامعة إنديانا، ولكن بعدي بسنوات. وقد بادرت السيدة بالتواصل معي عبر لينكدإن لاستكشاف فرص العمل المتاحة في قطر.

بعد مرور ساعة ونصف من لقائنا، اكتشفنا أننا عملنا تحت توجيه نفس الأستاذ، وأننا نتشارك حب السفر والطهي، كما أن كل منا ولد توأمًا. أصبحنا أصدقاء على الفور، ومنذ ذلك الحين غالبًا ما نتعاون ونتبادل الأفكار ونطلب المشورة من بعضنا البعض. وقدساعدنا ذلك في تعزيز الرابط الذي يجمعنا.

النقطة الأساسية التي أريد التركيز عليها هي أن التواصل عبر الإنترنت يتعلق بالمشاركة، وليس الاستفادة فقط، حسبما يشير مايكل بيج في كتابه لعام 2018. فعندما تركز على تقديم المساعدة للناس، لا بد أن يتذكروا ذلك، وعندما تكون صادقًا تكتسب ثقة الآخرين، وعندما تكون كريمًا ومبادرًا تصبح شخصًا مؤثرًا يصعب نسيانه. سيساعدك ذلك في التعرف على أهداف معارفك وأولوياتهم واحتياجاتهم. كما يتيح لك معرفة المجالات التي يركزون عليها، وما يرغبون بتحقيقه، القدرة على تقديم المساعدة لهم بشتى الطرق. وتذكر أنك عندما تدعمهم وتساندهم، فمن المحتمل أن تجد من يساندك ويدعمك لاحقًا إذا احتجت لذلك. وقيامك بذلك لا يسهم فقط في تقديم المساعدة للآخرين، ففي الغالب ستنجح في تكوين صداقات حقيقية ترافقك مدى الحياة.