المهندس المعماري: المهندسة حنان الرمحي

المهندس المعماري

هل تبحث عن خوض مسيرة مهنية في مجال إبداعي يمزج بين الفن والعلوم؟ إذن عليك التفكير جدًيا في أن تصبح مهندسًا معمارًيا.

تعد الهندسة المعمارية، التي تعرف أيضًا ب “العمارة”، من أقدم فروع الهندسة، حيث اهتم الانسان بها قبل آلاف السنين، وبالتحديد منذ الوقت الذي احتاج فيه لبناء مسكن يأويه. وعلى مدار التاريخ تميزت كل حضارة بأسلوبها المختلف في عمارة مبانيها ومدنها، وتركت آثاًرا خلدت بها ثقافة وهوية شعوبها.

وتطورت العمارة على مر الأزمنة حتى أصبحت فنًا يدَّرس في أوروبا خلال القرن السادس عشر. ومع مرور الوقت تطورت علوم الهندسة حول العالم حتى شهد النصف الثاني من القرن التاسع عشر إطلاق أول برنامج لتدريس “الهندسة المعمارية” في جامعة إيلينوي بالولايات المتحدة.

تتمثل مهمة المهندس المعماري بشكل عام في إيجاد حلول لتحويل رؤية العميل إلى واقع من خلال تصميم الأماكن التي يمكن للناس العيش والعمل والاستمتاع بمختلف الخدمات فيها. وليس بالضرورة أن يكون المكان مبنى سكني، أو تجاري، أو خدمي، أو ترفيهي، فقد يكون مدينة كاملة أو منشأة صناعية أو منظر طبيعي.

والبعض قد يعتقد أن دور المهندس المعماري يقتصر على الجانب الجمالي من خلال تصميمه للشكل الخارجي للمبنى أو المشروع، ولكن الأمر مختلف تمامًا، فالتصميم يجب أن يكون ضمن معايير علمية قابلة للتحقيق، وأن يأخذ في الحسبان الجانب الهندسي بكل ما فيه من عناصر تضمن تأدية المبنى أو المشروع للوظيفة التي تم إنشاؤه من أجلها، بما في ذلك الإضاءة والتهوية والتوصيلات الكهربائية والصيانة والأمان والصحة ومواد البناء والتنقل داخل المبنى ومحيط المشروع وتأثيره على البيئة.

يبدأ عمل المهندس المعماري منذ مراحل المشروع المبكرة للغاية التي تشمل تحديد أهداف وغايات المشروع والتخطيط لبداياته، ثم يلي ذلك إعداد التصاميم وقيادة مراحل المشروع، بدءًا من تصميم المفهوم المعماري ووصوًل إلى مرحلة التشييد. ويتطلب ذلك منه التعاون مع مهندسين من مختلف التخصصات. ينبغي على المهندس المعماري أن يكون مبدعًا وأن يمتلك مهارات التحليل وحل المشكلات والتقاط التفاصيل. كما أن امتلاكه لمهارات رسم جيدة أو قابلة للتطوير أمرٌ مهم لأنها الخطوة الأولى في تصميم أي مبنى أو مشروع. وبما أنه يعد بمثابة المايسترو في فريق التصميم عليه أن يمتلك أيضًا مهارات القيادة والتواصل والعمل الجماعي. كما أن عليه إتقان استخدام مجموعة من البرامج والتطبيقات الخاصة بالرسم وتصميم وإخراج النماذج ثلاثية الأبعاد.

وتختلف مدى أهمية المهارات السابق ذكرها بحسب التخصص الفرعي الذي سيختاره المهندس المعماري. وبإمكان المهندس المعماري خوض مسارات مختلفة في هذا المجال، سواء من خلال اكتساب المزيد من الخبرة أو الحصول على شهادات متخصصة أو درجات دراسات عليا. فقد يرغب المهندس المعماري في التخصص في الرسم المعماري، أو العمارة الداخلية، أو التخطيط العمراني، أو تصميم المناظر الطبيعية، أو ربما يختار التخصص في تصميم مبانٍ أو مشاريع من نوع معين بحسب وظيفة المبنى أو طرازه أو شكله، مثل المباني السكنية أو التجارية أو منشآت الرعاية الصحية. ومن المهم أن يفكر المهندس المعماري في التخصص لأن ذلك سيسهم في تطوير مسيرته المهنية، ولكن مهما كانت رغبته أو اختياره، لا شك أن امتلاكه المعرفة والخبرة في أكثر من مجال أو تخصص سيكون أمرًا مفيدًا.

لخوض مسيرة مهنية في مجال الهندسة المعمارية يجب أن تحصل في البداية على درجة البكالوريوس في العمارة أو درجة البكالوريوس في الهندسة المعمارية، مع الحرص على أن يكون البرنامج الدراسي في الجامعة معتمدًا محليًا أو دوليًا. يتطلب الأول الدراسة لمدة خمس سنوات على الأقل ويكون التركيز الأكبر فيه على الموضوعات المتعلقة بالعمارة مثل استوديوهات التصميم المعماري والرسومات المعمارية، أما الثاني فيحتاج الدراسة لمدة أربع سنوات على الأقل ويتم التركيز خلاله بشكل أكبر على المحتوى الهندسي.

تمتلك كل دولة لوائح خاصة تنظم عمل المهندسين المعماريين. على سبيل المثال، للعمل في دولة قطر، يحتاج المهندس المعماري لرخصة من وزارة البلدية والبيئة، حيث يتم تسجيله في حال اعتماد شهادته، إما كمتدرب (إذا كان حديث التخرج)، أو كمهندس معماري من الفئة الثالثة أو الثانية أو الأولى، وذلك بحسب عدد سنوات الخبرة.

 

حنان الرمحي

مهندس معماري أول

شركة آيكوم الشرق الأوسط

قررت أن أصبح مهندسة معمارية بمجرد إتمامي للمرحلة الثانوية. في ذلك الوقت، لم أفكر في أي خيارات أخرى وشعرت أن هذا هو الاختيار الصحيح بالنسبة لي، فقد كنت أرى أن الهندسة المعمارية مناسبة تمامًا لشخصيتي. يعمل والدي مهندسًا مدنيًا وهو ما ألهمني وجعلني أحب مجال الهندسة منذ أن كنت في سن صغيرة، ولكنني قررت أن أتخصص في مجال مختلف وهو العمارة. لقد كنت محبة للفن بطبيعتي وكنت أقضي وقت فراغي في تحسين مهاراتي في الرسم. لقد كانت العمارة بالنسبة لي بمثابة عالم يمكن العيش فيه، وحلم أردت دومًا تحقيقه.

حصلت على منحة صاحب السمو أمير دولة قطر للتميز الأكاديمي للدراسة في جامعة قطر، وكنت من خريجي الدفعة الأولى لبرنامج بكالوريوس الهندسة المعمارية في عام 2010. لقد نما شغفي بالهندسة المعمارية عندما تعلمت المزيد عن أساسياتها ونظرياتها وكونها واحدة من أكثر الأدوات فاعلية للتأثير على حياة الناس. لقد أطلقت الهندسة المعمارية العنان لإمكانياتي الفنية وأخرجتني من منطقة الراحة الخاصة بي. لم يكن لدي أي مانع من قضاء ساعات طويلة في العمل بدأب على مشاريع التصميم في أي وقت تأتيني فيه الأفكار الإبداعية. كان الأمر بمثابة تحدٍ، ولكنني استمتعت به. الدعم المتواصل من عائلتي وأساتذتي الجامعيين دفعني إلى المزيد من التفوق والتعبير عن فكري من خلال التصميم.

بعد تخرجي، عملت في شركة “آلايز آند موريسون” لمدة عامين، قبل أن ألتح ق بشركة آيكوم الشرق الأوسط في عام 2012، والتي ما زلت أعمل فيها حاليًا كمهندس معماري أول. على مدار تسع سنوات شملت مسؤولياتي التخطيط لمرحلة ما قبل التصميم، والتصميم المعماري، إلى جانب أمور متعلقة بدراسات التصميم وهندسة القيمة. كما تتطلب مهام عملي إدارة وتنسيق عملية التصميم بين تخصصات تصميم المباني المختلفة. أعمل كذلك على التأكد من توافق التصاميم مع معايير البناء والسلامة المحلية والدولية، وعلى ضمان جودة المشروع وتلبيته لاحتياجات العميل. وأحتاج أيضًا بشكل دائم إلى الاجتماع مع العملاء ومختلف الشركاء والإشراف على مرحلة تنفيذ التصميم في موقع البناء. بالإضافة إلى ما سبق، يجب عليّ مراعاة الاستدامة خلال تصميم المشروع والتأكد من تحقيق المشروع لأهداف الاستدامة المرتبطة به.

خلال السنوات الإحدى عشر الماضية، عملت في أكثر من 20 مشروعًا، تنوعت ما بين سكنية وتجارية وبنية تحتية ونقل ورعاية صحية وثقافية، وكان معظمها ضمن مشروعات ضخمة مثل مشيرب قلب الدوحة، وميناء الدوحة الجديد، ومنطقة راس بو فنطاس الاقتصادية الحرة، وبرنامج البنية التحتية للحافلات العامة.

إلى جانب كوني مهندسة معمارية مرخص لها بالعمل، أنا أيضًا أخصائي استدامة معتمد ومحترف إدارة مشروعات معتمد، وذلك لأنني أؤمن بأهمية أن يتفهم المهندس المعماري مبادئ الاستدامة، إلى جانب امتلاكه للأدوات التي تمكنه من إدارة وقيادة عملية التصميم. التعلم المستمر في غاية الأهمية لأي مهندس معماري يرغب في تطوير مسيرته المهنية.

هناك مهارات لا غنى عنها إذا أردت التقدم في هذا المجال، مثل القدرة على حل المشكلات وإدارة التصميم والتواصل، فمع اكتسابك للخبرة سيتضمن عملك الاجتماع بشكل دائم مع العملاء ومختلف الشركاء في المشروع، وسيكون عليك توفير الحلول لأي مشكلات قد تطرأ، إلى جانب إظهار قدرتك على إدارة موارد المشروع بشكل فاعل لضمان تسليم التصميم في الوقت المحدد وكما هو مخطط له.

حرصت كذلك على أن أصبح مهندسة معتمدة من المعهد الملكي البريطاني للمهندسين المعماريين البريطانيين، وذلك لأن الانضمام إلى شبكة مرموقة من المهندسين المعماريين المعتمدين يعتبر إضافة مهمة إلى مؤهلات المهندس المعماري، حيث يُعتبر ذلك تأكيدًا على أن خبرتك التعليمية والمهنية معترف بها عالميًا، ودلي لً على التزامك بأخلاقيات العمل المهنية.

أكثر ما أحبه في مهنتي هو مدى ديناميكية بيئة العمل وقدرة المهندس المعماري على قيادة عملية التصميم والعمل مع بقية مهندسي المشروع على تحويل رؤية المشروع إلى حقيقة. منحتني الهندسة المعمارية أيضًا القدرة على التفكير بحرية مع تنظيم أفكاري بشكل منطقي قابل للتنفيذ.

أنصح الطلاب الذين يرغبون في أن يصبحوا مهندسين معماريين بالاستمتاع برحلة التعلم الخاصة بهم. عليهم أن يعلموا أن الهندسة المعمارية الحقيقية ليست في الكتب، بل هي في الأماكن والمباني التي نراها ونعيش فيها. يجب ألا يكتفوا بما يتعلموه في الجامعة وأن يعملوا باستمرار على تحسين مهاراتهم وتدريب أعينهم وعقولهم على التفكير في المباني والبيئة المحيطة بهم. وإذا أرادوا التميز عليهم أن يطوروا منطق تفكيرهم المعماري، ومهارات التفكير النقدي، وقدرتهم على صناعة ورواية القصص وتقديم العروض التصويرية. أنصحهم أيضًا بالسفر ورؤية مشاريع العمارة الشهيرة حول العالم عن كثب، والتعرف على العملية الإبداعية التي مر بها المهندسون المعماريون المشهورون عالميًا خلال تصميم مشاريعهم. إنها تجربة ذات تأثير كبير، فالتحفيز البصري المستمر يغذي الخيال الخصب الذي يفترض أن يمتلكه المهندسون المعماريون.