نصائح من الرجل الحديدي


الدكتور ناصر صقر المهندي

تُعد مسابقة ”الرجل الحديدي“ الاختبار الأصعب لأي رياضي في العالم، حيث يحتاج خلالها المتسابق للسباحة لمسافة تقارب أربعة كيلومترات، ثم ركوب الدراجة لما يزيد عن 180 كيلومترًا، قبل أن يتبع ذلك بالركض لمسافة 42.2 كيلومترًا، أي ما يعادل ماراثوًنا أولمبيًا. وينبغي القيام بكل ذلك بشكل متتالٍ وبدون أي توقف، في فترة زمنية قد تمتد في بعض الأحيان إلى 17 ساعة! تحدٍ شاق للغاية لا يخوضه إلا عدد قليل من الرياضيين على مستوى العالم.

في عام 2016، وبعد أشهر قليلة من إتمام عامه الأربعين، أصبح الدكتور ناصر صقر المهندي أول قطري ينهي مسابقة الرجل الحديدي عندما تجاوز خط نهاية بطولة أفريقيا بمدينة بورت إليزابيث في جمهورية جنوب أفريقيا. بعدها بعام واحد، دخل هذا البطل التاريخ مجددًا كأحد أعضاء أول فريق سباحة قطري يعبر بحر المانش بين بريطانيا وفرنسا، وهو التحدي الأصعب لأي سباح في العالم.

ولا تتوقف نجاحات د. المهندي عند مجال الرياضة، فهو أستاذٌ في قسم هندسة البترول بجامعة تكساس إي أند إم في قطر، كما انتدب من قطر للبترول ليشغل منصب نائب رئيس التطوير والتخطيط لحقل الشاهين في شركة نفط الشمال.

لم يحقق د. المهندي كل هذا النجاح من فراغ، فالأمر كان نتاج سنوات طويلة من التخطيط والعمل الجاد. وقد تحدث عن ذلك بالتفصيل من خلال كتاب ”كيف تصبح الرجل الحديدي“ الصادر عن دار نشر جامعة حمد بن خليفة في 2018، والذي سرد فيه تجربته الملهمة والدروس التي تعلمها خلال مراحل حياته المختلفة.

”دليلك المهني“ التقى الدكتور المهندي ليحدثنا عن مسيرته المهنية والرياضية، وما يمكن أن نتعلمه من أزمة كوفيد- 19 ، إلى جانب أمور أخرى عديدة نستعرضها في الحوار التالي:

التعلم من التحديات

عن سبب اختياره لهذه الرياضة غير التقليدية، يقول د. المهندي:”كنت في الثانية عشرة من عمري عندما تعرفت على هذه الرياضة للمرة الأولى عبر شاشة التلفزيون. كنت حينها أحب الرياضة، وكان من المذهل أن ترى أشخاصًا يجتازون مثل هذا التحدي غير المعتاد، والذي قد يراه الكثيرون مستحيلً. وضعت حينها نصب عيني أن أصبح رجلً حديدًيا، واستغرق تحقيق ذلك ما يقارب 28 عامًا“.

يرى د. المهندي أن شخصية الإنسان تتشكل بحسب صعوبة التحديات التي يخوضها، حيث يقول: ”تعلمت أن بإمكان الأحلام أن تتحقق. لا يوجد مستحيل. من أجل تحقيق أهدافك في الحياة يجب أن يكون لديك خطة واضحة لما تريد تحقيقه، أو بتعبير آخر خارطة طريق ذات مهام واضحة للوصول إلى هدفك، قبل أن تأتي الخطوة الأهم، وهي التنفيذ. عليك أن تمتلك الحماس وأن تلتزم بخطتك، حتى لا تظل أهدافك مجرد أحلام. بدون ذلك ستدور في حلقات مفرغة، أو قد تصل إلى هدف مختلف عن ذلك الذي كنت تسعى لتحقيقه“.

ويضيف: ”من المهم أن تحدد لنفسك أهدافًا صعبة، وأن تعمل دومًا على خوض التحديات، بدًل من الابتعاد عنها واختيار الطريق الأسهل. فتلك التحديات تترك أثرًا في حياتك، وتساعدك على تحقيق ذاتك وتكوين شخصية قوية“.

ويشغل د. المهندي منصب نائب رئيس الاتحاد القطري للدراجات والترايثلون، حيث يتولى مسؤولية رياضة الترايثلون في قطر، وهي رياضة أولمبية يمكن اعتبارها نسخة مصغرة من مسابقة الرجل الحديدي. وقد أسس لها فريقًا أطلق عليه اسم ”كيو-تراي“، بهدف تشجيع الشباب القطري على استكشاف هذه الرياضة وممارستها، وعن ذلك يقول: ”الترايثلون رياضة تعتمد فيها على نفسك، وتتعلم فيها الصبر وأهمية التخطيط وتقسيم الجهد على كل مرحلة من أجل الوصول إلى هدفك – وهو عبور خط النهاية. سيمنحك إكمال المراحل الثلاث المزيد من الثقة في قدرتك على تحقيق أي هدف بعد ذلك“.

وينصح د. المهندي باستخلاص الإيجابيات من التحديات التي قد يتعرض لها الإنسان خلال حياته، والعمل على التعلم منها، وحتى أزمة كورونا بما صاحبها من سلبيات عديدة يجب اعتبارها مجرد عقبة سيتم تجاوزها عاجلً أم آجلً، ومحطة يمكننا تعلُّم العديد من الدروس منها. ويوضح قائلً: ”إن هذه الأزمة كانت فرصة لالتقاط الأنفاس وسط الوتيرة السريعة للحياة التي كنا نعيشها. لقد منحتنا فرصة قضاء أوقات أكثر مع عائلاتنا، وتعلمنا خلالها أهمية الالتزام والصبر والاعتماد على النفس والمرونة في التخطيط. عليك أن تعتبر هذه الفترة فرصة لإعادة تقييم جميع جوانب حياتك، وأن تستغل وقت فراغك في تعلم مهارات جديدة“.

تحدي المانش

في عام 2017، خاض د. المهندي تحدًيا من نوع آخر، عندما شارك مع أول فريق سباحة قطري في عبور القناة الإنجليزية، وهو تحدٍّ لم ينجح في تجاوزه سوى عدد قليل من السباحين على مستوى العالم، حيث امتدت الرحلة لمسافة تقارب 50  كيلومترًا بين ساحلي بريطانيا وفرنسا. تناوب أعضاء الفريق خلال هذه الرحلة على السباحة لمدة تزيد عن 16 ساعة متواصلة، في مياه شديدة البرودة ووسط تيارات بحرية قوية عبر ممر مائي يعج بالسفن العملاقة. علاوة على ذلك، لم يكن جميع أعضاء الفريق رياضيين محترفين، بل فقط محبين للرياضة أرادوا تسليط الضوء على أهميتها بالنسبة للمجتمع، إلى جانب تحقيق إنجاز تاريخي لبلدهم.

ويعتبر د. المهندي أن هذه التجربة كانت أيضًا درسًا مثاليًا في العمل الجماعي: ”كان من المستحيل تحقيق هذا الإنجاز التاريخي بدون التعاون التام بين جميع أعضاء الفريق، إلى جانب اختيار العناصر المناسبة، وتوظيف كلٍّ منهم بما يناسب قدراتهم وإمكانياتهم، وإعدادهم بشكل جيد للقيام بالمهام المنوطين بها. لولا إيمان جميع أعضاء الفريق بقدرتهم على الوصول إلى الهدف بنفس القدر من الحماس، لما تحقق النجاح“.

فترة الدراسة

يرى د. المهندي أن ممارسة الرياضة وسيلة مثلى لطلاب المدارس من أجل اكتساب المهارات الاجتماعية، إذ يوضح: ”بكل تأكيد يتوجب على الطلاب التركيز على التحصيل العلمي قبل كل شيء، ولكن عليهم أيضًا الاهتمام باكتساب المهارات الاجتماعية لأنها ستنمي شخصيتهم، والمدرسة مكان مثالي لتحقيق ذلك من خلال المشاركة في الأنشطة المختلفة. بالنسبة لي، كان لعب كرة القدم مع زملائي فرصة لصقل هذه المهارات. فعندما تلتحق بالجامعة، ثم تخوض بعدها غمار حياتك العملية، ستساعدك تلك المهارات كثيرًا في التعامل مع مختلف الأشخاص“.

كان د. المهندي يرغب في دراسة الطيران والسفر حول العالم، ولكنه اختار دراسة هندسة البترول بناء على نصيحة أسرته، وهو ما دفعنا لسؤاله عن رأيه في تدخل الأسرة في تحديد اختيارات أبنائها. وفي ذلك يوجه البطل القطري النصيحة التالية للطلاب والآباء: ”على الطالب الاستماع إلى نصيحة عائلته والتفكير فيها بجدية.
ولكن لكي تكون هذه النصيحة ذات فائدة حقيقية، يجب أن يجتهد الآباء كثيرًا قبل تقديمها. فأوًل، عليهم أن يكونوا على دراية كاملة بتوجهات الدولة على المستوى الاقتصادي، والاحتياجات المستقبلية لسوق العمل فيها. كما يجب أن يضعوا في حسبانهم أن المهن في المستقبل قد تتغير تمامًا مع تغير أسلوب حياة البشر، ولعل أزمة كوفيد- 19 خير دليل على ذلك. وبالطبع قبل كل ذلك، عليهم أن يكونوا على دراية بإمكانيات وقدرات أبنائهم، ومدى ملاءمة المسارات المهنية المقترحة لهم“.

وينصح الرجل الحديدي الشباب بعدم التخلي عن أحلامهم، والسعي بكل الطرق الممكنة لتحقيقها. فلم يتخل د. المهندي عن حلمه بالسفر حول العالم، حيث زار حتى الآن ما يقارب 150 دولة، تعرف فيها على ثقافات مختلفة، واقترب أكثر من الطبيعة، وهو ما زاد من اهتمامه بالبحث في ظاهرة تغير المناخ وعلاقتها بمجال تخصصه، لتصبح الآن من أهم القضايا التي ينشغل بها.

يبقى سؤالٌ ملح، كيف تمكن د. المهندي من الموازنة بين الحياة الشخصية والمهنية وتحقيق كل تلك النجاحات؟ وكانت إجابته كالتالي: ”فكر في حياتك كمثلث. هناك ثلاثة أضلاع عليك الاهتمام بها وتقسيم وقتك بينها دون إهمال أيٍّ منها، وهي العمل والحياة الاجتماعية والصحة البدنية. الكثيرون قد يغفلون أهمية الضلع الثالث ويدفعون ثمنًا باهظًا لذلك. صحتك البدنية في غاية الأهمية. اجعل ممارسة الرياضة جزءًا أساسيًا من جدولك اليومي، واحرص على تناول أطعمة صحية. سيمنحك ذلك الطاقة والقدرة على التفكير بإيجابية، وستحصد النتائج في جميع جوانب حياتك“.