رحلة في عالم الهوية البصرية

رمزان راشد النعيمي

رمزان راشد النعيمي

رحلة في عالم الهوية البصرية

في حال قررت أن تبدأ مشروعك التجاري الخاص، فإن اختيار الهوية أو ال “BRAND” المناسبة له، أمرٌ لا بد أن تمنحه بالغ الاهتمام!

والهوية المؤسسية لا تعني فقط الشعار أو العلامة التجارية، فهي  تتخطى الجانب المرئي، حيث يمكن تعريفها بأنها مجموعة العناصر البصرية والحسية التي تتكون عند الأشخاص حول مؤسسة أو علامة تجارية معينة، وبالتالي فإن اختيار الهوية الصحيحة قد يسهم بشكل فعال في نجاح مشروعك، بينما إذا كان الاختيار غير موفق، فقد يؤدي ذلك إلى نتائج غير مرجوة على المدى الطويل.

رمزان راشد النعيمي، مدير الإبداع الفني في شبكة الجزيرة الإعلامية، يُعد من أبرز الأسماء المتخصصة في مجال الهوية المؤسسية في دولة قطر، وهو إلى جانب ذلك مدرب مخضرم في مجالات التسويق والاتصال المؤسسي والهوية التجارية للمشاريع والتفكير التصميمي أو ما يُعرف بالـ “DESIGN THINKING”، كما أنه عضو في اللجنة العليا للتحكيم بمسابقة “AME” الشهيرة في مجال تقييم الإعلانات، ممثلًا عن منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.

التقينا مع الشاب القطري الملهم ليحدثنا عن أسرار الهوية البصرية ويقدم لقرائنا بعض النصائح المهنية الثمينة.

كيف كانت بداية عملك في مجال الإبداع؟

تدربت على الإخراج على يد فريق متخصص من هيئة الإذاعة البريطانية “BBC” من خلال شركة طومسون الشهيرة، بعد أن التحقت بالعمل في قناة الجزيرة كمخرج تلفزيوني، وأنا ما زلت في التاسعة عشرة من عمري. من خلال عملي في هذا المجال أدركت بشكل أوسع كيفية صناعة الصورة والعناصر التي تكونها، وبما أنني كنت أهوى الرسم والتصميم منذ الصغر، حرصت على صقل مهاراتي بدورات احترافية في مجال التصميم، لانتقل بعدها للعمل في مجال الإبداع.

هل الإبداع موهبة أم هي مهارة يمكن لأي شخص أن يكتسبها؟

أعتقد أن الإبداع موهبة، ولكنها تحتاج الى صقل، فلا يمكن للإبداع أن ينمو بدون بيئة حاضنة له توجهه بشكل صحيح وتدعم الابتكار. لكن هناك طرق تسهم في تنمية القدرات الإبداعية داخل أي إنسان مهما كان عمره، من بينها التفكير التصميمي أو الـ “DESIGN THINKING”، الذي أؤيد نشره كمنهج يُسرّع من عملية التفكير والابتكار وتطوير الحلول الإبداعية. فمن خلال هذا المنهج، يمكن لأي شخص تعلم كيفية التفكير بطرق جديدة وأن يرى الأمور من زوايا مختلفة تحفز رغبته في المشاركة وتزيد من حماسه للبحث عن الحلول أو ابتكارها.

كيف تنظر للهوية المؤسسية أو التجارية؟

هي مثل السمعة. أتذكر مؤسس شركة أمازون، جيف بيزوس، حين قال: “الهوية التجارية هو ما يقوله عنك الآخرين عندما لا تكون موجودًا”. الهوية المؤسسية أو التجارية هي لغة تواصل قبل أن تكون تصميم بصري، فمن خلالها تتكون المشاعر والانطباعات عند المتلقي أو المتعامل أو المستخدم، حيث تتشكل لديه صورة ذهنية إيجابية أو سلبية.

إذًا فاختيار شعار أي مشروع يجب ألا ينحصر في العناصر الجمالية؟

الاهتمام بالجانب البصري بالطبع مهم، ولكن عليك أيضًا عدم إغفال القيم المرتبطة بتصميم الهوية المؤسسية أو التجارية. يجب أن تضع في حسبانك كل ما يتعلق بشخصية الهوية، أو ما يسمى بال “BRAND PERSONALITY”، فمثلًا عندما تبني هوية ذات طابع شبابي، فلابد أن تلتزم بالعناصر المكملة المناسبة، على سبيل المثال أن تقدم خدمة عملاء تناسب طابع الهوية.

ما النصائح التي توجهها لرواد الأعمال الشباب من أجل صناعة هوية مؤسسية أو تجارية ناجحة لمشروعهم؟

في البداية لابد من التعامل مع المختصين والخبراء في مجال الهوية المؤسسية أو التجارية، والابتعاد عن الهواة والمبتدئين. لا تبحث عن

القيمة المادية الأقل، لأن ذلك سيؤثر على القيمة الاعتبارية للمشروع. أما فيما يخص الجانب البصري، فعليك التأكد من مناسبة شعارك للمشروع.  ينبغي أن يوصل الرسالة للمتلقي بسهولة ويعكس قيم المشروع. وهناك مجموعة عناصر يجب الانتباه لها، مثل أن يكون مفهومًا ومقبولًا عند المتلقي، وألا يكون معقدًا ولا كثير الألوان، ولا منفرًا.

نسمع كثيرًا الآن مصطلح التمييز الشخصي أو ال  “PERSONAL BRANDING“، الذي يسعى من خلاله الشخص لصناعة هوية خاصة به عبر مختلف المنصات الرقمية، يُبرِز من خلالها مهاراته وخبراته. ما مدى أهمية هذا الأمر لأي شخص يريد تطوير مسيرة مهنية ناجحة؟

التمييز الشخصي أو الـ “PERSONAL BRANDING” أصبح مهمًّا في تشكيل انطباعات الآخرين عنك. وهو الآن علم يدرس ومنهج يُتبَع من خلال إبراز شغفك وقيمتك الشخصية والمبادئ والمهارات والخبرات التي لديك أو التي اكتسبتها. يقول إيلون ماسك مؤسس شركة تسلا: “الهوية هي مجموعة من التصورات، والتصورات تعكس الواقع مع الوقت. أحيانًا تكون التصورات إيجابية وأحيانًا أخرى تكون سلبية. فالهوية باختصار هي خليط من الانطباعات التي تتشكل حول منتج معين”. ويمكن تطبيق ذلك على اعتبار أن المنتج هنا هو مهاراتك وخبراتك.

كيف يمكن أن أصنع هوية شخصية ناجحة؟

من الضروري في البداية أن تسأل نفسك من أنا؟ وما الذي يميزني؟ ثم تستعرض مهاراتك وخبراتك للعالم باستخدام أدوات التسويق المناسبة، والتي يأتي في مقدمتها الآن بالطبع وسائل التواصل الاجتماعي. يجب أن يكون هناك اتساق في شخصيتك عند التعامل مع الجمهور والعملاء، فلا تُكوّن لديك شخصيات متعددة قد تفقد الآخرين الثقة بك. لا تحاول أن تقلد الآخرين، بل كون شخصيتك أنت وقيمتك أنت.

ما الذي يجب التركيز عليه عند صناعة المحتوى الرقمي؟

تركيزك يجب أن ينصب على جودة المحتوى، وصناعة المحتوى الجيد تحتاج إلى عناية بكافة تفاصيله. أصبح عالم وسائل التواصل الاجتماعي الآن مكتظًا بالمحتوى الذي يفتقد الجودة، فتركيز معظم صناع المحتوى ينصب بشكل أساسي على اللحاق بالمؤشرات وكسب أكبر عدد من المشاهدات. نحتاج لأن نقدم محتوى يسهم في تنوير العقول وتطوير الذات، ويفتح أفاقًا جديدة للتعلم والمعرفة في مجالات مختلفة، بغض النظر عما قد يحققه هذا المحتوى من تفاعل في البداية.

في الآونة الأخيرة، تعاظم دور مؤثري عالم وسائل التواصل الاجتماعي في مجالات الترويج والتسويق، فما هو رأيك في هذا الأمر؟

في البداية يجب أن يعلم الجميع الفارق بين المشاهير والمؤثرين! فمعظم من نراهم في وطننا العربي يمكن اعتبارهم مشاهير أكثر من كونهم مؤثرين. ليس كل مشهور مؤثر! لكي تصبح مؤثرًا يجب أن تكون لديك رسالة واضحة ورحلة لصناعة التغيير في أمر أو مجال ما، ولا يجب أن تعتبر كونك مؤثرًا مهنة في حد ذاتها. فمن الأخطاء التي يقع فيها المسؤولون في بعض المؤسسات عدم التعرف بشكل جيد على الجمهور الذي يخاطبه، أو على شخصية المشهور وفكره وأسلوب طرحه، أو مدى فائدة ما يقدمه هذا المشهور لسمعة المؤسسة أو نموها، فهم يركزون في معظم الأحيان على عدد المتابعين وليس جودتهم.

هل ترغب في توجيه أي نصائح أخرى إلى قرائنا؟

أنصحهم بالحرص على مواصلة التعلم على مدار مسيرتهم المهنية، سواءً لصقل مهاراتهم أو اكتساب المزيد من المهارات. إن حصولي على شهادة الماجستير التنفيذي في قيادة التحول الرقمي من جامعة الدراسات العليا لإدارة الأعمال HEC PARIS في قطر، كان من أهم العلامات الفارقة في مسيرتي المهنية. ما تعلمته شَكّل لدي رؤية مختلفة حول كثير من الأمور وانتقلت إلى مرحلة جديدة في حياتي المهنية، وهي التركيز على التحول الرقمي والابتكار المؤسسي. من خلال الدراسة توسعت مداركي وبدأت أبحث أكثر وأتعمق في مجالات أصبحت اليوم من أساسيات المستقبل. كما أنصحهم أيضًا بالتطوع في أوقات فراغهم، فقد عملت لسنوات كمستشار مع مؤسسة “راف” وجمعية أصدقاء الصحة النفسية “وياك”، وأسهم عملي كمتطوع في إضافة قيم إنسانية لمسيرتي، وزاد من شعوري بالسعادة والرضا، معززًا في الوقت نفسه الثقة والراحة النفسية لدي.