نقاش حول مستقبل التعليم

التأقلم مع الواقع الجديد
نقاش حول مستقبل التعليم

يعد قطاع التعليم واحدًا من أكثر القطاعات تأثرًا بأزمة كوفيد-19، حيث تسببت الإجراءات الاحترازية الصارمة التي طبقتها معظم دول العالم في تعليق الدراسة الصفية بالمدارس والجامعات. وبحسب البيانات التي أصدرتها الأمم المتحدة، فإن الأزمة أثرت بشكل أو بآخر في العملية التعليمية لما يقارب من 94 في المائة من الطلاب حول العالم، أي حوالي 6.1 مليار طالب في 190 دولة!

على مستوى دولة قطر، أسهمت الاستجابة السريعة في تقليل الآثار السلبية للأزمة، ونجحت المؤسسات التعليمية في استكمال الدراسة خلال العام الأكاديمي المنصرم عبر تطبيق نظام التعليم عن بعد، قبل أن يجري اعتماد النظام المدمج الذي يجمع بين التعليم الصفي والتعليم الإلكتروني للعام الأكاديمي 2020-2021.

لكن ما الذي يمكن أن نتوقعه في الفترة المقبلة؟ ما الذي يمكن أن نتعلمه من هذه الأزمة؟ كيف يمكننا الاستفادة منها لتخطيط وبناء مستقبل أفضل؟ كيف يمكن أن نستعد بشكل أفضل لأي أزمات مماثلة في المستقبل؟ ما هو المطلوب من الطلاب وأولياء الأمور والمعلمين خلال المرحلة المقبلة؟ الإجابة عن مثل هذه التساؤلات تحتاج إلى دراسات متأنية، فمعركتنا مع الوباء لم تنته بعد وما زال من الصعب تحديد تأثيره في قطاع التعليم على المدى البعيد، غير أننا اجتهدنا في هذا العدد من أجل محاولة توضيح الصورة من خلال إجراء مقابلات مع مجموعة من أبرز خبراء التعليم في مؤسسة قطر للإجابة على بعض هذه التساؤلات والتعرف على رؤيتهم لمستقبل التعليم.

البروفيسور فرانسيسكو مارموليجو
مستشار التعليم في مكتب رئيس مجلس الإدارة
مؤسسة قطر

ما الدروس التي يمكن أن يتعلمها قطاع التعليم من أزمة كوفيد-19؟

أعتقد أن أول درس تعلمناه هو أن بيئة التعليم كانت أكثر هشاشة مما نعتقد، وبالتالي لم تكن مستعدة لهذه الأزمة. تعلمنا أيضًا أن الانتقال إلى التعليم عن بعد هو حل قصير المدى وليس الدواء الشافي. ولكن الأهم من كل ذلك، هو أن الأزمة أوضحت أننا بحاجة إلى تحدي افتراضاتنا حول ما هو مفيد وما هو مضر للتعليم. إنها فرصة لإحداث تغييرات في أنظمتنا التعليمية، وإعادة التفكير في التعليم وإعادة تشكيله، ومساعدة أنظمة التعليم في التغلب على التحديات التي واجهتها على مدى عقود. نحن بحاجة إلى الاستفادة من الأزمة في بناء مستقبل أفضل للتعليم، ولإعداد طلاب اليوم ليكونوا أكثر احترافية ويكونوا أشخاصًا مسؤولين مجتمعيا، لديهم شعور بالتضامن وأكثر التزامًا نحو مجتمعاتهم.

كيف يمكننا إعداد الطلاب بشكل أفضل ليكونوا أشخاصًا أنضج من ناحية المسؤولية المجتمعية؟

في الواقع، إن الحاجة إلى المزيد من المواطنين المسؤولين مجتمعيًا لا تنطبق فقط على خريجي المستقبل، بل أيضًا على المعلمين. تحقيق ذلك يحتاج إلى جهد جماعي يبدأ من الأسرة، ويشمل جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة، مثل الحكومة والشركات والمدارس والمجتمع المدني، وبالطبع المعلمين والطلاب. وكما أشار الفيلسوف الفرنسي إدغار موران، فإن الوباء الحالي أظهر إحساسًا قويًا بالتضامن في المجتمع، ولكنه أظهر أيضًا في الوقت نفسه نقصًا في القدرة على التعاطف. بشكل مختصر، إعداد أجيال جديدة من خريجي المستقبل المسؤولين مجتمعيًا يتطلب معلمين مسؤولين مجتمعيًا.

هل تعتقد أن الدول التي ستفشل في الاستفادة من الأزمة الحالية في إحداث تغييرات حقيقة بأنظمتها التعليمية قد تخاطر بالتأخر في تحقيق النتائج المأمولة من هذه الأنظمة على المدى الطويل؟

بكل تأكيد! من المفارقات أن أزمة الوباء الحالية منحتنا فرصة فريدة من نوعها لإحداث تغييرات حقيقة في الأنظمة التعليمية. تغييرات يمكن إدارتها والسيطرة عليها بكفاءة. نظرًا لأن الوباء ذو نطاق عالمي، علينا أن نعلم أنه لا يوجد نظام تعليمي في العالم محصن ضد آثاره. لقد تم الكشف عن العديد من أوجه القصور في التعليم خلال الأزمة، ومعظم هذه الأوجه تتعلق بعدم المساواة في الوصول إلى التعليم، وضعف كفاءة البرامج الأكاديمية، وقلة جودة التجربة التعليمية ومحدودية ملاءمتها. هناك فرص لتحسين كل ذلك. إذا كنا نريد الاستجابة بفاعلية أكبر لاحتياجات الاقتصاد والمجتمع في ”الوضع الطبيعي الجديد“، ليس هناك شك في أن اتباع نفس الاجراءات والاستجابات الاعتيادية لن يكون الحل المناسب.

ما هو التحدي الأبرز الذي يواجه التعليم العالي وكيف يمكن أن نتغلب عليه؟

يميل التعليم العالي إلى العمل داخل برجه الخاص، ولقد أظهرت الأزمة هذا النهج. ما لم نعتبر التعليم العالي جزءًا من النظام التعليمي بأكمله، وننظر إليه في سياق النظم البيئية المجتمعية الأكبر، فإن قدرته على الاستجابة للتحديات الجديدة ستكون هامشية. إن الارتباط المحدود للغاية بين التعليم العالي والمستويات السابقة في نظام التعليم يحد من قدرته على تزويد خريجي المستقبل بمهارات مهمة، مثل التفكير النقدي وبناء الفريق والنزاهة والتعاطف، وغيرها من المهارات الأساسية المطلوبة للنجاح المهني. من الصعب تعلم هذا النوع من المهارات في دورة تعليمية، كما أن سنوات الدراسة الجامعية قد لا تكون كافية لتعلمها، والأبحاث أظهرت أن أفضل سن لبناء هذه المهارات هو ما بين 6 و12 عامًا. بناءً على ذلك، نحن بحاجة إلى تضمين هذه المهارات في المستويات التعليمية المبكرة.

هذا ما يجعل من نظام التعليم في مؤسسة قطر نظامًا بيئيًا تعليميًا فريدًا ليس له مثيل في العالم، لأنه يسمح بتحقيق مستوى أعلى من الترابط بين مراحل التعليم بدءًا من مرحلة ما قبل المدرسة وحتى مرحلة الدكتوراه. لقد نجحت لقد نجحت مؤسسة قطر في تولي دور ريادي فيما يتعلق بذلك من خلال مشاركتها في مبادرة ”الابتكار التعليمي العالمي“ في جامعة هارفارد، التي تسعى من خلالها لجمع خبراء التعليم العالي في العالم من أجل التعرف على الجهود المبذولة حاليًا لدعم استمرارية التعليم من مستويات التعليم السابقة، حيث يتم حاليًا دراسة 15 حالة على مستوى العالم، من بينها البيئة التعليمية في مؤسسة قطر. سيتم نشر نتائج هذه الدراسة قريبا على المستوى الدولي.

ما هي نصيحتك لطلاب الجامعات والخريجين الجدد الذين قد يشعرون بعدم اليقين بشأن مستقبلهم بسبب الأزمة الحالية؟

أقول لهم: أنتم جزء من جيل فريد واجه تحديًا لم يواجهه أحد قبلكم في التاريخ المعاصر. قد تكون الظروف الحالية عصيبة، ولكن يجب أن تعلموا أن مفهوم الوظيفة يتغير. لتكونوا ناجحين عليكم تطوير قدراتكم على العمل مع الآخرين داخل بيئة متعددة الثقافات دائمة التغير. يجب أن تكونوا مرنين لأنكم قد لا تحتاجون فقط إلى تغيير الوظائف، بل تغيير المسار المهني بالكامل. والأهم من كل ذلك، عليكم أن تكونوا دومًا مستعدين لمواصلة التعلم واكتساب مهارات جديدة على مدار حياتكم.

السيد ستيوارت ليمينج
المدير التنفيذي
مدارس مؤسسة قطر

هل نحتاج للأخذ في الاعتبار احتياجات كل طالب على حدة عند تصميم مناهج التعليم الإلكتروني؟

كما هو الحال بشأن كل ما يخص التعليم، من المهم أن تكون منفتحًا على القيام بكل ما هو ضروري لإزالة كل ما قد يعوق التعلم. ويعني هذا أن تكون منفتحًا على مواجهة الحقائق غير المريحة، كما يعني أن عليك أن تكون مبتكرًا. في بعض الأحيان، من الضروري كسر النهج التقليدي بدلًا من محاولة تكراره. وهذا هو جوهر التعليم القابل للتغير، أحد محاور مؤسسة قطر، حيث تؤدي التطورات الثقافية المضادة إلى كسر النماذج التقليدية وتكوين نماذج جديدة. علينا أن نعلم أن مقياس النجاح يجب أن يبقى دائمًا مدى تطور الطالب والإنجاز الذي يحققه

بناءً على ما أنجزته مدارس مؤسسة قطر في مجال دمج التكنولوجيا ضمن المناهج الدراسية، ما هي نصيحتك لمديري المدارس في قطر بشأن ذلك؟

إذا كانت التكنولوجيا تعمل بشكل جيد، فلن نشعر بها في الأساس. لذلك قبل أن يتمكن المعلمون والطلاب من الاستفادة من الفرص المتاحة، يجب ضمان البنية التحتية الداعمة. غالبًا ما تكمن التحديات في العناصر الخارجية بدلًا من العوامل الداخلية، خاصة عند اتباع نهج التعلم ”في أي وقت وفي أي مكان“ يجب أن تتوفر الوسائل التكنولوجية للطلاب الذين لديهم نطاق ترددي محدود وقيود على الاتصال الصوتي عبر الإنترنت، علاوة على الطلاب الذين يدرسون ضمن نطاق الشبكة الخاصة بمدرستهم. من الضروري معرفة حدود إمكانياتك والتخطيط وفقًا لذلك. كما يجب علينا الاستفادة أيضًا من الشبكات الحالية التي تربط طلابنا، مثل شبكات الجيل الرابع والخامس عبر الهواتف الذكية والأجهزة الأخرى.

هل يجب أن نخطط لإشراك أولياء الأمور بشكل أكبر عند تصميم المناهج الدراسية التي سيتم تعليمها عبر الإنترنت؟

الأفضل أن نسهل استقلالية الطلاب في التعلم. في كل الأحوال، يتعلم أطفالنا الكثير من خلال الإنترنت والأجهزة الشخصية، على الرغم من أن ذلك عادةً ما يكون فوضويًا. التحدي هو أن نوجه هذا التعطش الفطري للمعلومات لزيادة إنتاجيتهم. التعليم عبر الإنترنت الذي يعتمد على قيام الآباء بدور يتخطى تشجيع أبنائهم هو أمر غير مستدام وغير مرغوب فيه. إن التصميم المبتكر للمناهج يجب أن يعيد تصور رؤيتنا لدور المعلمين، فبدلًا من اعتبارهم مجرد مصادر ذات خبرة للمعرفة والحكمة، علينا أن ننظر إليهم أكثر كأشخاص يسهلون عملية التعلم.

ما هي نصيحتك للطلاب الذين قد يشعرون بالضغط بسبب عدم اليقين المحيط بمستقبلهم؟

أعلم أن الشباب يعيش أوقاتًا صعبة، خاصة أولئك الذين عانت عائلاتهم من المرض أو الذين خسروا أحباءهم، إنه أمر مؤلم. عليهم أن يعلموا أننا نخوض مرحلة تغيير سريعة سنخرج منها إلى عصر جديد ننظر فيه لكل الأمور بطريقة مختلفة. هناك عالم جديد في انتظارهم وأمامهم فرص لا مثيل لها من أجل تقديم أنفسهم بشكل مختلف. الجيل الموجود حاليًا في المدرسة هو الجيل الذي سيبني ذلك المستقبل الجديد. أود أن أقول لشبابنا، انتبهوا جيدًا للتحديات ولا تفكروا كثيرًا في الماضي لأنه ليس بإمكانكم تغييره. ركزوا على ما هو مقبل، وتذكروا أننا نقوم بإعدادكم لمستقبل يفوق ما يمكنكم تخيله.

 ما أهم الدروس المستفادة من أزمة كوفيد-19؟

إن شعار الحركة الكشفية العالمية هو ”كن مستعدًا“. هناك أمور من الصعب تصورها، ولا يمكن أن يتم اتخاذ قرارات قبل أن نشعر بآثار الأزمة على المستوى المحلي. يمكننا اعتبار الدرس الأكثر أهمية هو أننا أدركنا أن العالم مكان صغير للغاية ومتصل بشكل كبير، وبالتالي يجب أن تكون القضايا العالمية مصدر قلق للجميع، فالفشل في التصرف له عواقب وخيمة. خلال الأزمة الحالية، إلى جانب الخسارة المؤسفة في الأرواح، كنا قريبين من إحداث انهيار في الاقتصاد العالمي؛ فما بالك إذا تسببنا يومًا في انهيار النظام المناخي للأرض؟

الدكتور عمر الأجنف
المدير التنفيذي
معهد قطر لبحوث الطب الحيوي
جامعة حمد بن خليفة

ما دور البحوث الطبية الحيوية في مواجهة وباء مثل كوفيد-19؟

تلعب بحوث الطب الحيوي دورًا مهمًا في دعم أنظمة الرعاية الصحية، حيث تركز على دراسة الأمراض البيولوجية لتحسين الوقاية والتشخيص والعلاج من الأمراض، وهو ما يؤدي إلى تحسين صحة السكان ودعم الاقتصاد. عندما تواجه أنظمة الرعاية الصحية تحديات مماثلة لوباء كوفيد-19، يكون الباحثون الطبيون والعلماء دائمًا في الخطوط الأمامية من أجل العمل على إيجاد حلول ودراسة المرض بهدف إعداد النظام بشكل أفضل لمواجهة حالات الطوارئ المماثلة في المستقبل.

وما الدعم الذي قدمه معهد قطر لبحوث الطب الحيوي لنظام الرعاية الصحية في قطر خلال الأزمة الحالية؟

أحد الأهداف الرئيسية لمعهد قطر لبحوث الطب الحيوي هو توفير حلول لتحديات الرعاية الصحية التي تواجه دولة قطر والمنطقة. منذ اليوم الأول للوباء، سخر معهد قطر لبحوث الطب الحيوي كل إمكانياته من أجل دعم قطاع الرعاية الصحية. كانت الخطوة الأولى هي توفير المعدات والتقنيات المتقدمة التي تضمنت الروبوتات لدعم المختبرات في مؤسسة حمد الطبية. كما حرص المعهد على توفير متطوعين ذوي كفاءات عالية للعمل مع المؤسسة، ووضع قدرات فريق البحث التابع له تحت تصرف المؤسسة، لتقديم المساعدة الفنية داخل المختبرات عند الحاجة لذلك. بالإضافة إلى ذلك، قمنا بتطوير اختبار خاص بنا للكشف عن كوفيد-19 لدعم النظام الصحي في حالة حدوث نقص في أطقم الاختبار. كما أطلق المعهد برنامجًا للأبحاث متعدد التخصصات يركز على الأمراض المعدية بالتعاون مع مؤسسة حمد الطبية. وفي الوقت نفسه، تواجد خبراء المعهد في عدد كبير من اللجان الوطنية لتقديم المشورة بشأن الإجراءات المثالية لمكافحة الوباء. قمنا أيضًا بنشر تقارير منتظمة عبر موقعنا على الإنترنت لإطالع الجمهور على أحدث الأخبار المتعلقة بالوباء بالاعتماد على مصادر موثوقة وعبر لغة غير معقدة.

يدير معهد قطر لبحوث الطب الحيوي حاليا ثلاثة مراكز بحثية تركز على الاضطرابات العصبية والسكري والسرطان. هل شكل تركيزكم على الأمراض المعدية خلال الفترة الماضية تحديًا كبيرًا؟

يتمتع معهد قطر لبحوث الطب الحيوي بالخبرة اللازمة للمساعدة في التعامل مع حالات طوارئ الرعاية الصحية المختلفة، ولذلك لم نواجه أي مشكلة واستجبنا بسرعة للأزمة من خلال إطلاق برنامج خاص يركز على الأمراض المعدية. أطلقنا أيضًا بعد ذلك برنامجًا بحثيًا قويًا مدته ثلاث سنوات يتعلق بالأمراض المعدية، لاقى إشادة كبيرة من المراجعين الدوليين. نحن أيضًا بصدد تعيين خبراء في الأمراض المعدية للانضمام إلى البرنامج. سيعمل مثل هذا البرنامج على إعداد البلاد للتعامل بشكل أفضل مع أي أزمات مماثلة في المستقبل.

كيف ترى مستقبل مجال البحوث الطبية الحيوية في قطر؟

لقد أولت القيادة الرشيدة في دولة قطر اهتمامًا خاصًا للعلوم والبحوث الطبية على مدار العقد الماضي انطلاقًا من إيمانها بأن بناء اقتصاد قوي لا يتحقق بدون شعب ينعم بصحة جيدة. يتوفر نظام تعليم على أعلى مستوى للشباب القطري على كافة المستويات وقد لاحظت اهتمامًا متزايدًا منهم بمجال بحوث الطب الحيوي. ومن أجل جذب المزيد من الشباب للانضمام إلى هذا المجال، نحتاج إلى تعريف الأطفال بالعلوم منذ سن مبكرة لجعلهم أكثر فضولًا حيالها. يجب أن يكون الطلاب على دراية جيدة بتأثير البحث الطبي الحيوي على المجتمع والاقتصاد. كما يجب أن يفهموا الدور المهم للباحثين والعلماء في تحسين حياة الناس. هم أيضًا بحاجة لمعرفة أن مجال بحوث الطب الحيوي يوفر فرص عمل عديدة في مختلف القطاعات، مع الإشارة إلى أن تحقيق ذلك يتطلب جهودًا مشتركة من أولياء الأمور والمعلمين والمعاهد الحكومية وكيانات أخرى.

 ما أهم الدروس التي تعلمناها من أزمة كوفيد-19؟

أظهرت الأزمة الحالية مدى أهمية توحيد جميع جهودنا وخبراتنا كمؤسسات وأوساط أكاديمية ومقدمي خدمات صحية للعمل على طرح حلول للتحديات الوطنية. الخبرة التي اكتسبناها خلال هذه الأزمة لا تقدر بثمن. فلا يجب أن يقتصر التعاون على الأوقات الصعبة، بل يجب أن نعمل معًا طوال الوقت من أجل المضي ببلدنا قدمًا.

البروفيسور أمير بيربتش
عميد جامعة فرجينيا كومنولث
كلية فنون التصميم في قطر

 

قد يشعر بعض طلاب الجامعة بالقلق خلال الفترة الحالية بسبب عدم وضوح مستقبل المسار المهني الذي اختاروه. فما هي نصيحتك لهم؟

يواجه كل جيل تحديًا في إيجاد مكانه في القوى العاملة. أنت لا تتعلم أبدًا من أجل العالم الذي تتخرج فيه، ولكن يتم إعدادك لاكتساب التعليم المناسب الذي ستستخدمه كأساس تنطلق منه في مهنتك المستقبلية. فإذا كنت تعتبر شهادتك الجامعية ”تدريبًا مهنيًا“، لن تصل إلى ما تطمح إليه وستصاب بخيبة أمل كبيرة. عليك أن تعتبرها نقطة الانطلاق نحو المستقبل.

لطالما اعتبرت الشهادات عبر الإنترنت أقل قيمة من الشهادات التقليدية، خاصة من قبل أرباب العمل. هل حان الوقت لتغيير النظرة إلى الشهادات عبر الإنترنت؟

نحتاج دائمًا إلى الابتكار في كيفية تحسين التعليم ودفعه إلى الأمام. بالنسبة للعديد من الطلاب، فإن نظرتهم للحياة عبر الإنترنت هي الحياة الحقيقية التي يعيشونها، والحياة خارجها تبدو قديمة وتقليدية. ومع ذلك، لا يمكن دائمًا استبدال كيان مادي بآخر رقمي. لقد اكتشفنا من خالل تجربتنا الأولى في تطبيق التعليم عبر الإنترنت بالكامل أن هذا النوع من التعليم والتعليم التقليدي يحتل كل منهما مكانته الخاصة.

غيرت أزمة كوفيد-19 الطريقة التي ننظر بها إلى التعليم. ما أهم الدروس التي تعلمناها من هذه الأزمة؟

 كان أحد الدروس المهمة التي تعلمناها هو مدى قدرة المجتمع على تطوير أساليب وهيكلية عمله. فقد أصبح الطلاب أكثر استقلالية في أعمالهم، وفي نفس الوقت، قادهم الاستقلال إلى الخوض بشكل أعمق في هذه الأعمال. يضع أعضاء هيئة التدريس ثقة أكبر في قدرة طلابهم على الإبداع ومواجهة التحديات بحلول مبتكرة. أما الدرس الآخر الذي تعلمناه كان على العكس تمامًا، فقد تيقنا من مدى حاجة مجتمع الفن والتصميم إلى تواجد طلابه ومعلميه سويًا والاندماج معًا، ولذلك كان الشعور بالوحدة في العمل أحد أصعب الدروس التي تعلمها الكثيرون خلال هذه الأزمة. ومن ناحية أخرى، كان أحد أفضل الدروس التي تعلمها الكثير من الناس هو كيفية العمل بمفردهم ومتى يحتاجون إلى التواصل مع الآخرين للحصول على الدعم.

كيف كانت تجربة التعليم عن بعد في جامعتكم؟ هل ستواصلون التجربة خلال السنوات القادمة؟

بالنسبة لمدارس الفن والتصميم يأتي الإبداع في المقام الأول. ولفهم الدور الذي يلعبه الإبداع في عملية التعلم، يمكننا فقط النظر إلى التنوع الهائل في الأعمال الفنية التي يبتكرها الطلاب الذين يدرسون جميعًا نفس المقرر في نفس الفصل. في ربيع 2020، واجه التدريس عن بعد منحنى تعليميًا شديد الانحدار، وكان على أعضاء هيئة التدريس التغيير بين عشية وضحاها من التعليم داخل الفصول إلى التعليم عبر الإنترنت. وبالتالي كان لابد من إعادة التفكير في كل شيء من المحاضرات إلى العروض التوضيحية إلى الدرجات والتقييم. وكمثال على ذلك، فإن أحد عروضنا التقليدية في نهاية العام، وهو عرض الأزياء، أصبح عرضًا رقميًا بالكامل، وبدلًا من بضع دقائق على خشبة العرض، أصبح لدى الطلاب مقاطع فيديو تصور تصميماتهم ومجموعاتهم في الأزياء بطريقة احترافية وتمكنهم من عرضها على الجهات التي يرغبون في العمل بها في المستقبل. بعد أن رأينا مزايا التعلم عن بعد، لا أعتقد أن أي جامعة يمكن أن تتخلى عنها. كما أن ذلك يسمح للطلاب الذين لن يتمكنوا من حضور فصولهم في المستقبل بتعويض الفصول الدراسية التي فاتتهم.

ماذا تتوقع الجامعات من طلابها في هذه المرحلة؟ هل أضافت أزمة كوفيد-19 المزيد من الالتزامات على الطلاب؟

يجب أن تتوقع الجامعات الأفضل دائمًا من طلابها. فقد تغير زمن حضور الفصول الدراسية بشكل شخصي وأصبح الحضور عبر الإنترنت في بيئة يمكن أن نصفها بأنها أقل خصوصية، وأصبح الطلاب أكثر استقلاليةً واعتمادًا على أنفسهم، حتى وإن لم يرغبوا في أن يصلوا إلى هذه الدرجة من الاستقلالية. وبينما كان من السهل على الطلاب الاستسلام  والانسحاب من التواصل، فإن ما قاموا به هو عكس ذلك تمامًا، حيثً اجتمعوا سويًا لمساعدة بعضهم البعض وإبداء النصح والمشورة فيما بينهم والتأكد من قدرة الجميع على التعلم. ومن ناحية أخرى، كانً لزامًا على الطلاب صقل مهاراتهم الشخصية، مثل تعلم برامج جديدة، وإتقان المتطلبات الجديدة لفصولهم الدراسية، وفهم أعمالهم الفنية والتصميمية وتطويرها على نطاق أوسع. كما أن نجاح تجربة التعلم عن ُبعد تعتمد بشكل أساسي على تواصل الطلاب مع زملائهم في الدراسة عبر الإنترنت، حتى وإن لم يلتقوا بالعديد منهم من قبل. فبمجرد أن تبدأ الفصول الدراسية مرة أخرى، سوف يستشعر الطلاب ثمار ذلك، حيث سيكون لديهم بالفعل نظام دعم قوي من أقرانهم.

الدكتورة أسماء الفضالة
مديرة البحوث وتطوير المحتوى
مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم ”وايز“

هل من الممكن أن يستفيد التعليم من أزمة كوفيد-19؟

تشكل أزمة كوفيد-19 فرصة لإعادة تقييم نماذج التعليم بشكل كامل، أو بمعنى آخر إعادة التفكير في أهداف وأنماط التعلم المطلوبة للجيل الحالي من الطلاب بمختلف أعمارهم. تحدثنا كثيرًا في الماضي عن ضرورة ألا يقتصر التعليم على الحفظ والتلقين وحل الواجبات، وعن أهمية تعليم الطلاب مهارات اجتماعية وحياتية تجعل منهم أعضاء فاعلين في المجتمع وتساعدهم في تخطي أي تحديات تواجههم في المستقبل. جائحة كورونا منحتنا الفرصة لتحقيق ذلك والدفع نحو التغيير، والأمر لا يحتاج إلى موارد أو إلى وقت لتطبيقه بقدر ما يحتاج إلى إيمان كامل من كل أطراف المنظومة التعليمية بضرورة إحداث هذا التغيير. فهذا النوع من التعلم سيتطلب مسؤوليات جديدة من الطلاب وأولياء الأمور والمدارس وصانعي السياسات. علينا أن ننتقل كليًا إلى التقييم لأجل التعلم بدلًا من تقييم التعلم.

كيف نحقق أفضل النتائج من تجربة التعليم عن بعد؟

الاستفادة من تجربة التعليم عن بعد يتوجب اعتبارها أكثر من مجرد عملية إيصال معلومة للطالب عبر منصة رقمية، كما ينبغي ألا نصب كل تركيزنا على التكنولوجيا في حد ذاتها، فهي مجرد أداة يستخدمها الطالب للتعلم، وبالتالي لا مانع من الاعتماد على طرق أخرى مبتكرة. خلال أزمة كوفيد-19 شاهدنا أمثلة كثيرة على ذلك في دول متقدمة افتقرت للإمكانيات والموارد الرقمية التي تمكنها من الوصول لجميع الطلاب، فاعتمدت على حلول مختلفة مثل التواصل مع الطلاب عبر تطبيق واتساب أو توزيع منشورات عليهم في المنازل، وكانت تجاربهم فاعلة إلى حد كبير.  يجب أيضًا العمل على تصميم مناهج لا تركز فقط على قضاء الطالب لوقته في تلقي المعلومة، بل تحثه أيضًا على اكتساب خبرات عملية من خلال التفاعل مع المدرس وحل المشكلات والتعاون مع زملائه في مجموعات.

ما نصائحك للطبلب وأولياء الأمور فيما يخص التعليم عن بعد؟

سأتحدث عن تجربتي الشخصية كأم لخمسة أبناء في مرحلة المدرسة والجامعة. أعمل بدوام كامل يتطلب في بعض الأوقات حضور اجتماعات أو المشاركة في مؤتمرات خارج ساعات العمل التقليدية أو حتى خلال عطلة نهاية الأسبوع. لا شك أن الأزمة وضعت ضغوطًا غير مسبوقة على الجميع، وبالأخص الطلاب الذين تغير نمط حياتهم بشكل مفاجئ وأصبحوا قلقين بسبب عدم وضوح الرؤية المستقبلية.  في البداية، من الأفضل أن يكون هناك تعاون وتنسيق دائم بين أولياء الأمور والمدرسة بهدف تحسين العملية التعليمية لأبنائنا.

ويجب أن نوفر لهم بيئة ملائمة خالية من التوتر تمنحهم فرصة للتركيز على التعلم وتساعدهم في تخطي الأثار النفسية للأزمة. ولكن الأهم هو أن نجعل الطلاب مسؤولين عن تعلمهم. من الممكن أن نساعدهم في وضع جدول لتنظيم عملية التعلم والمذاكرة وفي تحديد الأولويات والمهام ووضع أهداف واقعية، ولكن عليهم الاعتماد على أنفسهم وتنفيذ المهام المطلوبة منهم وتسليمها للمعلم في الوقت المحدد. منحهم الثقة من شأنه أن يعطيهم دافعًا للاجتهاد. ينبغي أيضًا ألا نكتفي بما في المنهج الدراسي، وأن نعمل على تنمية مهاراتهم الحياتية والإبداعية من خلال أنشطة مثل الرياضة والزراعة والطبخ.

ما هي أبرز أهداف مؤتمر ”تعطل التعليم وإعادة تصوره“ الذي نظمته ”وايز“ هذا العام؟

نظمنا المؤتمر رقميًا في شهر أبريل الماضي بمشاركة مجموعة من أبرز الخبراء في مجال التعليم من جميع أنحاء العالم، وكان الحدث الذي تم بثه بشكل مفتوح عبر الإنترنت فرصة لمجتمع ”وايز“ وآلاف العاملين في مجال التعليم لمناقشة التحديات التي تواجه هذا القطاع والتغييرات المطلوبة لضمان مستقبل أفضل للتعليم. كما منحنا ذلك أيضًا فرصة الاطالع على تجارب الدول في التعامل مع الأزمة والاستفادة منها، فهناك دول مثل إيطاليا والصين كان تأثير الجائحة فيها أكبر من دول أخرى، ودول في إفريقيا مرت هي الأخرى بأزمات مشابهة خلال تعاملها مع وباء إبولا، ودول أخرى تمتلك خبرة التعامل مع أزمات اللاجئين. وتلقى المؤتمر إشادة كبيرة من المجتمع الدولي، فنظمنا نسخة ثانية منه في شهر يونيو، ثم نسخة ثالثة في شهر سبتمبر. كما نشرنا كتابًا إلكترونيًا يحمل نفس اسم المؤتمر ويضم مقالات لمجموعة من أبرز الأسماء في مجال التعليم تم من خلالها توثيق التجارب المختلفة لقطاعات التعليم حول العالم لدراستها والاستفادة منها في الاستجابة بشكل أفضل لأي أزمات مماثلة في المستقبل.

هل هناك مشاريع أخرى تعمل عليها ”وايز“ في الفترة الحالية؟

بالطبع هناك العديد من المشاريع، فريق ”وايز“ يشارك بشكل دائم في مؤتمرات واجتماعات عالمية لتبادل الخبرات ومناقشة أفضل سبل تطوير التعليم. أحد أبرز المشاريع التي نعمل على تنفيذها خلال الفترة الحالية هو إجراء بحث لدراسة تأثير الجائحة على تعلم الأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم والذين لا يناسبهم التعلم عبر الإنترنت وطلاب الاحتياجات الخاصة، خاصة في الدول التي تفتقر للإمكانيات الرقمية.