في يومه العالمي: هذه صفات رائد الأعمال الناجح

حمد البدر، أخصائي أول تطوير مهني بمركز قطر للتطوير المهني

يصادف 21 أغسطس من كل عام “اليوم العالمي لرواد الأعمال”، الذي يقدم لنا فرصة نشر الوعي بريادة الأعمال، والتعريف بأهميتها للاقتصاد الوطني، ودورها الكبير في تأمين فرص العمل وابتكار الحلول للتحديات التي تواجه المجتمعات من خلال تحويل الأفكار الإبداعية إلى مشاريع مجدية اقتصاديًا.تنبع الأهمية الكبيرة لهذا اليوم من كونه يلعب دورًا هامًا في تعزيز ونشر ثقافة الإبداع والابتكار والقيادة وريادة الأعمال وتحفيز وتنمية روح المبادرة لدى الشباب وأصحاب الطموح في جميع أنحاء العالم.

الريادة ما وراء الأعمال

إن ريادة الأعمال، أو ما يعرف بالإنجليزية باسم (Entrepreneurship)، مفهوم ديناميكي وواسع يمتد إلى ما هو أبعد من حدود الأعمال التجارية التقليدية أو المشاريع الناشئة. فهو ينطوي على مجموعة متكاملة من المهارات المتنوعة والقابلة للتطبيق في أي مجال من مجالات العمل المختلفة، نظرًا لقدرتها على تنمية الإبداع والابتكار وحس المبادرة والتفكير الاستراتيجي لدى مالكها. هذا التعريف الواسع لريادة الأعمال، والذي يشار إليه غالبًا باسم “ريادة الأعمال الداخلية” أو (Intrapreneurship)، يؤكد حقيقة أن امتلاك سمات رائد الأعمال يمكن أن يؤثر بشكل كبير على قطاعات اقتصادية متنوعة وواسعة ضمن الدولة ويثريها.

فالقدرة على التفكير الإبداعي والتركيز على الابتكار أمران بالغا الأهمية في جميع مناحي الحياة. وعقلية رائد الأعمال القائمة على الاستعداد لخوض مغامرات محسوبة والتفكير خارج الصندوق واغتنام الفرص، تعد بمجملها أدوات أساسية لهذا التفكير الإبداعي، وبالتالي للنجاح المستقبلي. وينطبق ذلك على مجالات وقطاعات عديدة ضمن الدولة تمتد خارج قطاع الأعمال، فسواء كنت معلمًا يصمم منهجيات تعليم جديدة، أو مقدمًا للخدمات الصحية يبتكر حلولًا جديدةً لرعاية المرضى، أو موظفًا حكوميًا يبحث عن طرق مبتكرة لتحسين الخدمات العامة، ستجد أن مبادئ ريادة الأعمال تمكنك من تجاوز حالة عدم اليقين والشك بقدراتك، وتأخذك إلى إحداث تأثير حقيقي وتقدم مثمر ذي معنى في سياق عملك.

ما يجعل ريادة الأعمال الداخلية مفهومًا مهمًا للغاية هو قدرتها على ترسيخ الشعور بالملكية والمسؤولية لدى الأفراد العاملين داخل منظمات قائمة. وهؤلاء الأفراد، الذين يشار إليهم غالبًا باسم رواد الأعمال الداخليين، يصبحون محدثين للتغيير ضمن بيئاتهم الخاصة؛ يزرعون ثقافة الابتكار، ويبحثون باستمرار عن طرق لتعزيز جودة الإنتاج وتسيير العمليات بكفاءة وتوليد أفكار جديدة باستمرار. ومن خلال تبني قيم المخاطرة المحسوبة والشجاعة في التجريب، فإنهم يتحدون الوضع الراهن ويدفعون أنفسهم ومنظماتهم نحو النمو والتكيف مع التغيرات والتحديات. فريادة الأعمال الداخلية تشجع المهنيين على النظر إلى التحديات ليس على أنها حواجز، بل كفرص للتطور والتحسين.

علاوة على ذلك، فإن المهارات المرتبطة بريادة الأعمال مثل التفكير النقدي، والقدرة على التكيف، والتواصل الفعال، وحل المشكلات، تتجاوز حدود صناعة ما أو تجارة. فهي تعطي أي محترف مخضرم أو مبتدئ القدرة على تحليل القضايا المعقدة، وتحديد الثغرات، وابتكار حلول استراتيجية يمكن أن تحدث ثورة في المعايير المعمول بها ضمن صناعاتهم. ويضفي رواد الأعمال الداخليون روح المبادرة على مسؤولياتهم المعتادة، ويبحثون عن الإمكانات غير مستغلة ليوظفوها في أعمالهم، ويعززون ثقافة التعلم والتحسين المستمر. وهذا التأثير التراكمي يحفز أيضًا روح التعاون في الفريق، لتصبح الفرق أكثر استعدادًا لمشاركة الأفكار والتصدي لأي تحديات كيد واحدة.

وفي العمل الخاص، فإن الشروع بمشروعك الخاص هو مرحلة تنطوي على الكثير من المخاطر، ولكنها أيضا مرحلة تتيح لك الفرصة لتحقيق حلمك وتحقيق النجاح الذي تسعى إليه. لذلك عليك تسخير كل خبراتك ومهاراتك لتنفيذ خطتك، وأن تمتلك المرونة اللازمة لمواجهة أي تغيرات أو تحديات. وبصفتك رائد أعمال ناشئ ستواجه بالطبع تحديات أكبر، وستحتاج إلى المساعدة والإرشادات الصحيحة. لكن، أولًا، عليك أن تتحلى بمجموعة من الصفات التي ستساعدك على إدارة أعمالك وتحقيق النجاح.

من أبرز هذه السمات هي القدرة على تحديد هدف واضح، وهي سمة حاسمة لأنك إن لم تدرك ما تريد تحقيقه سيغدو طريقك نحو النجاح أكثر إبهامًا وتعقيدًا. وتعمل الأهداف التي تحددها أيضًا كقوة دافعة تحفزك خلال لحظات اليأس، وتذكرك بشكل مستمر بتطلعاتك الأولية والأحلام التي تسعى جاهدًا لتحقيقها. كما أن المثابرة هي حجر الأساس في تحقيق النجاح، لأن الفكرة التي لا تثمر في المحاولة الأولى لا يعني ذلك أنها غير قابلة للتطبيق، وإنما قد تحتاج إلى بعض التنقيح والتحسين، وإلى استخلاص الدروس من الخطأ الأول لتثمر في محاولاتك اللاحقة.

والأخطاء ذاتها لها قيمة هائلة لدى رواد الأعمال لأنها توفر فرصًا للتعلم والنمو، والفشل لا يعني نهاية العالم في حين أن الشلل الناجم عن التخوف المستمر من الفشل سيعيق حتمًا نموك في أي مجال تخوضه. كما أثبت الواقع مرارًا وتكرارًا في قصص الكثير من المبدعين حول العالم أن حالات الفشل المتكررة قد تقود إلى نجاح واحد ضخم في نهاية المطاف. ونهايةً، على رائد الأعمال التحلي بالمرونة كسمة أساسية في أي عمل يقوم به. وبدونها، ستعاني في إيجاد حلول بديلة للتغلب على التحديات التي لا بد أن تواجهك في طريقك نحو النجاح. والمرونة تسمح لك بالتكيف مع الظروف مهما تغيرت، وأن تغتنم الفرص التي قد يفوتها غيرك.

وفي خضم هذه التحديات والنكسات التي لا شك أنها ستواجه أي رائد أعمال كما أسلفنا، يعد الحفاظ على رباطة الجأش أمرًا بالغ الأهمية في عالم ريادة الأعمال. فلا يوجد حلم صغير أو غير مهم، وامتلاك مزيج من الشغف ووضوح الرؤية يحيل أي مستحيلٍ إلى ممكن، حتى لو طالت الرحلة نحو تحقيقه. وتبقى الفكرة الأساسية هي أنه من خلال المثابرة والقدرة على التكيف والإيمان الراسخ بأهدافك، ستكون لديك القدرة على تحويل أحلامك إلى إنجازات ملموسة.

المهارات الشخصية

بالإضافة إلى الصفات السابقة، هناك أيضًا مجموعة من المهارات الشخصية التي يجب أن تتحلى بها لتكون رائد أعمال ناجح:

  • لا تتوقف عن التعلم: يُقال بأن “المعرفة قوة” وذلك لأن الاستمرار بالسعي للتعلم يعني المزيد من الخبرة والمقدرة على إدارة العمل بكفاءة أكبر. ويُمكنكَ القيام بذلك من خلال القراءة أو حضور الدورات التدريبية أو المشاركة في الندوات والمؤتمرات.
  • تابع التطورات التكنولوجية: يجب على رواد الأعمال أن يكونوا بارعين في استخدام التكنولوجيا والأدوات الرقمية لإدارة أعمالهم وتنميتها، وأن يكونوا على دراية بكيفية استخدامها والاستفادة منها
  • اتقن مهارات التواصل: تُعتبر مهارة الاتصال الجيدة عاملًا أساسيًا في صنع النجاح لأنها تلعب دورًا مهمًا في بناء العلاقات مع العملاء والشركاء والموظفين وأصحاب المصلحة الآخرين وطريقة الحفاظ عليها. كما تُساعدك كرائد أعمال في مشاركة رؤيتك وأفكارك مع الآخرين بسلاسة ووضوح بما يضمن لكَ الحصول على الدعم المطلوب من المستثمرين.
  • كن شجاعًا: هي صفة مهمة في شخصية رائد الأعمال لأنها تمكنك من المخاطرة والتغلب على العقبات، ومتابعة السعي لتحقيق أهدافك رغم التحديات والصعوبات، بحيث تتغلب على مخاوفك، وتكون قادرًا على البحث عن الفرص واستغلالها، حتى لو بدت للآخرين خيالية وصعبة التحقيق.
  • كُن مبدعًا: لتكون شخصيتك قوية كرائد أعمال يجب أن تسعى للتميز من خلال تنمية الإبداع والابتكار لديك، وتوسيع آفاقك. امنح نفسك فرصة تجربة أشياء جديدة ومختلفة. كن فضوليًا، اسأل وابحث عن معلومات جديدة، وتعرف على يحتاجه الناس. سيساعدك ذلك في توليد الأفكار، مما يحسن من إبداعك ويمنحك ميزة تنافسية في السوق.
  • ابق متفائلًا: يتميز رجال الأعمال الذين يتمتعون بشخصية قوية بالتفاؤل، حيث يساعدهم ذلك في الحفاظ على نظرة إيجابية تجاه الأمور، والبقاء متحفزين دومًا. فهم واثقون بمقدرتهم على حل المشكلات والتحديات ومواجهة العقبات، بالإضافة إلى كونهم أسرع في التعافي والنهوض من الأزمات، والانتقال إلى مرحلة جديدة بكل حيوية ونشاط. كما أن رجال الأعمال المتفائلون ينشرون تلك الطاقة بين فريق العمل، ما يخلق بيئة عمل أكثر إيجابية وإنتاجية.

في الختام

إن مفهوم ريادة الأعمال يعدّ من المصطلحات الحديثة التي بدأت تسيطر على عقول الشباب في الآونة الأخيرة، ونشير من خلاله إلى العمل الذي ينطوي على تطوير وإدارة مشاريع تجارية جديدة، وتوظيف التفكير الإبداعي بحيث تكون هذه المشروعات قادرة على تحقيق إضافة ما في مجالات عملها. لذلك، بتنا نلمس اهتمامًا واضحًا لدعم وتنمية منظومة الابتكار وريادة الأعمال في مختلف المجالات كأحد أهداف رؤية قطر الوطنية 2030.

وفي انعكاس لهذه الجهود، شهدت الدولة تحسنًا كبيرًا في السنوات الأخيرة من ناحية نشاط ريادة الأعمال في المراحل المبكرة، حيث استطاعت أن تقفز 37 مرتبة في أقل من أربع سنوات من المركز الخمسين على العالم في عام 2016 إلى المركز الـثالث عشر في عام 2020، وذلك بحسب تقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال حول دولة قطر للعام المالي 2020 – 2021.

ويعد تعليم ريادة الأعمال لطلاب المدارس والجامعات أمرًا أساسيًا في إعداد جيل جديد من رواد الأعمال المستعدين لاتخاذ المبادرات وخوض المخاطر. حتى باتت ريادة الأعمال مشمولة في العديد من البرامج التعليمية في مدارس وجامعات دولة قطر، إلى جانب الجهود التي تبذلها العديد من الجهات والمراكز في سبيل نشر ثقافة ريادة الأعمال، منها واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا، وحاضنة قطر للأعمال، وبنك قطر للتنمية.