اختبار حدود القدرات

ليس من المعتاد أن يقرّر أحد تغيير مسار حياته من مهنة قضى فيها عقدين من الزمان تقريبًا، ليخوض غمار رحلة من شأنها أن تترك بصمة على جيل الشباب في المجتمع. بيد أن هذا هو بالضبط ما فعله جاسم شهبيك، الطيار بالخطوط الجوية القطرية، عندما أدرك أنه شغوف حقًا بمهنة التدريس ومحبًا لها.

استغرب كثيرون من القرار الذي اتّخذه شهبيك بأن يغتنم الفرصة التي وفّرتها منظّمة “علّم لأجل قطر” للانضمام إلى برنامجها “مسار القادة” الممتد لعامين، وأن يصبح مدرسًا في إحدى المدارس المستقلة بدولة قطر.

قال شهبيك في هذا الصدد: “كان البعض مندهشًا جدًا ومستغربًا من الفكرة نفسها، لا سيما أسرتي وأفراد عائلتي، بل إن بعضهم توقّع فشلي في مهنة التدريس”. لكنهم في نهاية المطاف شجّعوه بعدما قضى أشهرًا في التدريب والتدريس. وأضاف شهبيك قائلاً: “أما الآن فهناك تشجيع مستمر من جميع المعارف والأصدقاء، إذ أدركوا أن بإمكاني النجاح حقًا فى مهنة التدريس. وأنا شخصيًا مرتاح وسعيد بهذا القرار”.

في هذه المقابلة، يحدثنا شهبيك عن شغفه بالتدريس والدور الذي يضطلع به في هذا المجال، وعن رغبته في أن يكون له تأثير إيجابي على الجيل القادم من القادة بدولة قطر.

كم المدة التي قضيتها وأنت طيار؟

قضيتُ في الطيران 16 سنةً. إذ التحقتُ بالخطوط الجوية القطرية عام 2000؛ وفي العام 2016، قررتُ الانضمام إلى برنامج “مسار القادة” التي أتاح لي تقديم إسهامات فريدة، وساعدني في تطوير قدراتي القيادية ومهاراتي المهنية. أنا سعيد جدًا بهذه التجربة، ولولا منظمة “علم لأجل قطر”، لما تمكّنتُ من أن أصبح معلّمًا أو أن أفهم نظام التعليم وتأثيره على جيل الشباب على نحو أفضل. فالآن أفهم تمامًا وأقدّر واجبنا نحو قادة المستقبل في دولة قطر، بفضل الفرصة التي أتاحتها لي منظمة “علّم لأجل قطر”.

لماذا قرّرت الالتحاق بمهنة التدريس؟

لطالما كنتُ شغوفًا بمجال التعليم ومهنة التدريس. كما كنت أبحث عن التحدي، وعن دور من شأنه أن يتيح لي رد الجميل للمجتمع والمساهمة في تنميته. وأدركتُ أن بإمكاني تحقيق ذلك من خلال برنامج “مسار القادة” الذي تقدمه منظّمة “علم لأجل قطر”. وأضف إلى ذلك أنني وجدتُ هدف “علم لأجل قطر” نبيل جدًا كمنظمة، حيث توحّدت الأهداف والأفكار، ووجدتُها كذلك قادرة على مساعدة الأفراد في اكتشاف مواهبهم وتحقيق إمكاناتهم؛ فقررتُ ساعتها أن أكون معهم. هذا شيء لاحظته خلال رحلتي، وما زلت أتعلم المزيد كل يوم، ليس فقط من المهنيين الذين يساعدونني في البرنامج، ولكن من طلابي أيضًا.

هل كان اتخاذ هذا القرار صعبًا؟

كان القرار صعبًا في بعض الأمور وسهلاً في أخرى: صعبًا في ترك عملي بالطيران،وما له من تأثير اجتماعي ومهني على حياتي، وسهلاً بفضل منظمة “علم لأجل قطر”، التي ساعدتني وقدمت لي الدعم المناسب للتثبّت من قراري والالتحاق بمهنة التدريس.

هل استشرت أحدًا من أهل التوجيه والمشورة المهنية قبل اتخاذ هذا القرار؟

بطبيعة الحال، قضيتُ مدة طويلة في التفكير بهذا الأمر. وبحثتُ كثيرًا، واستشرت ذوي الخبرة في كل المجالات. نظرتُ في الإيجابيات والسلبيات، وبناء على ذلك اتخذتُ قراري.

ما الذي ترغب في أن تجنيه من التدريس؟

أرغب في تنشئة جيل منتج يعي المسؤوليات القادمة.

هل تحقق ما يرضيك إلى الآن في هذه التجربة؟

أنا مرتاح جدًا، وراض عن التجربة حتى الآن. كيف لا أشعر بالرضا وأنا أساهم في إعداد جيل واع من الشباب من خلال غرس القيم الإيجابية في نفوسهم. أرغب في تحقيق النجاح في هذا المجال والمساهمة في تحقيق الأهداف التي حدّدها برنامج “مسار القادة”. وهو برنامج أتمني تبنيه على مستوى العالم العربي وليس دولة قطر فقط؛ لأنّه يوفّر فرصة فريدة لأصحاب الكفاءات المميزة خارج المنظومة التعليمية لإحداث تأثير إيجابي في المجتمع.

ما المواد التي تُدرّسها حاليًا؟
أُدرّس العلوم العامة لطلاب المدارس الإعدادية.

هل كانت لديك خبرة في أيّ من مجالات التدريس غير الرسمي؟

مارستُ التدريس مع زملائي في أثناء دراستي بالكلية، ودرّست بصفة غير رسمية خلال عملي بالطيران. وعندما التحقتُ بمنظمة “علم لأجل قطر”، تلقيتُ تدريبًا مكثفًا من المهنيين المختصين الذين عزّزوا قدراتي الشخصية كمعلم مبتدئ.

لمن تزكي برنامج “مسار القادة”؟

أزكي البرنامج لكل من يريد المساهمة في تنمية دولة قطر وإعداد قادة المستقبل فيها. إنها تجربة تستحق المحاولة، حيث يتسنى للأفراد من خلالها أن يصبحوا قادة تغيير ناجحين، وأن يحدثوا أثرًا إيجابيًا مستدامًا في المدارس والمجتمعات المحلية، وأن يسهموا في إحداث تغيير طويل الأجل داخل دولة قطر وخارجها.

ما النصيحة التي تقدّمها لمن يسعون لتغيير مهنتهم إلى مهنة تختلف اختلافًا كبيرًا عن مهنتهم الحالية؟

إذا كان راغبًا حقًا في التغيير الإيجابي، أنصحه ألا يتردد في الالتحاق بمجال التعليم. وستواجهه بعض التحديات التي تؤتي ثمارها فيما بعد. وإذا أراد الاضطلاع بمهنة بالتدريس عليه أن يبحث دائمًا عن الموضوعات الشائقة التي تجذب الطلاب بطرق مبتكرة من أجل توسيع مداركهم.

ما مدى أهمية أدوار المعلمين في التأثير على الأجيال القادمة وتقويم سلوكها؟

لدى المعلمون القدرة على بناء الأجيال القادمة، ولكن للأسف لم تمنح هذه المهنة الأهمية والتقدير الذي تستحقه.

هل ساهمت خبرتك السابقة في مجال الطيران بدور في مهنتك الحالية؟

نعم، أفادتني خبرتي في الطيران واستفدت منها كثيرًافي مجال التدريس. فلدي “كاريزما الطيار” ومهارات التعامل مع الآخرين، ما يساعدني في إدارة الصف، وفي إيصال رسالتي بوضوح، والتأثير على طلابي إيجابيًا.

ما الذي تنوي القيام به بعد انتهاء العامين من برنامج “مسار القادة”؟
أتطلع إلى إضافة الخبرة التي اكتسبتُها في مجال التعليم إلى قطاع الطيران يومًا ما، وإلى المساهمة في برامج التدريب والتطوير.