أدوات التوجيه المهني: السر (الحقيقي) وراء تحقيق التوازن بين العمل

إن استخدام نظم وأدوات التوجيه المهني يُعد فكرة متطورة نسبيًا؛ غير أنه عنصر مهم وضروري لتحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية. وقد أدرجت بعض أشكال هذه النظم والأدوات ضمن الأنظمة التعليمية في بلدان كثيرة بالعالم، بما يمكّن الطلاب من ربط التعلّم الأكاديمي بالحياة المهنية، والتحاقهم بالمهن التي تناسبهم، إلى جانب فوائد أخرى.

كما أن هذه النظم والأدوات تساعد طلاب المدارس والجامعات في استكشاف مواطن قوتهم ومهاراتهم واهتماماتهم وشغفهم؛ لاتخاذ قرارات أكاديمية فاعلة يتسنى من خلالها تحقيق الاستفادة على المستوى الشخصي علاوةً على زيادة الفرص المهنية المستقبلية.

الأمر الجيد هو أن هذه النظم والأدوات تعود بفائدة كبيرة على الفرد في جميع مراحل الحياة المهنية، على الرغم مما قد يبدو بأن الطلاب فقط هم من يحقّقون أقصى استفادة منها.

فعلى سبيل المثال، تحتوي إحدى أدوات التوجيه المهني على استخدام التقييمات النفسية التي لاقت الآن رواجًا كبيرًا في عمليات التوظيف. ففي حين أن أهمية مقابلة العمل آخذة في التناقص، برغم أنها ما زالت كبيرة، يتزايد استخدام الشركات لاختبارات من قبيل التقييمات النفسية لمعرفة المزيد عن شخصية الفرد ومهاراته وقدراته.

تتيح هذه الاختبارات لأصحاب العمل التعرّف على الشخص صاحب السيرة الذاتية ومدى ملاءمته للعمل داخل المؤسسة. وبالطبع تكون النتيجة أفضل ما يسعى إليه الطرفان كلاهما؛ فالموظف سعيد بما يؤديه من أجل المعيشة، وصاحب العمل يشعر بالرضا من النتائج التي يحصل عليها.

يتحدث الدكتور تاج السر كردمان، مدير الخدمات والبرامج المهنية في مركز قطر للتطوير المهني، عن استخدامات وفوائد أدوات التوجيه المهني، فيؤكّد أن المواءمة بين اهتمامات الشخص وقيمه وشخصيته ينبغي أن يكون متسقًا مع متطلبات العمل من أجل تحقيق أعلى جودة في الحياة المهنية.

يقول الدكتور كردمان: “إن الأمر المهم في نهاية المطاف هو تحقيق التوازن بين العمل والحياة الخاصة. وعندما يكون الناس راضين عن وظائفهم، يتحسّن أداؤهم، ويستفيد الموظف والمؤسسة كلاهما. لذا، عليك أن تختار المهنة المناسبة إذا رغبتَ في تحسين جودة حياتك في العمل.

تقوم مدارس الثانوية العامة بدولة قطر حاليًا بتقديم التقييمات النفسية ضمن نظام الإرشاد المهني الخاص بمركز قطر للتطوير المهني، وهو نظام يوفّر حلول التخطيط والتقييم الشامل للحياة المهنية التي تساعد الطلاب في اختيار التعليم والمسارات المهنية المتوائمة مع مهاراتهم واهتماماتهم.

جاء دمج نظام الإرشاد المهني في التعليم الوطني نتيجةً لمذكرة تفاهم بين مركز قطر للتطوير المهني ووزارة التعليم والتعليم العالي؛ وهي خطوةٌ تُعد إنجازًا مهمًا بالنسبة للمركز في ضوء رسالته المتمثلة في تعزيز بناء القدرات الوطنية، ودعم الشباب القطري في اختيار المسار المهني الذي يناسب احتياجاتهم المحتملة ومتطلبات سوق العمل في المستقبل، في مبادرة هي الأولى من نوعها في الشرق الأوسط.

وفي هذا السياق، يؤكد أحمد ناصر إبراهيم البلم، خبير الإرشاد الأكاديمي بوزارة التعليم والتعليم العالي، أن تنفيذ نظام الإرشاد المهني في المدارس المستقلة خطوة على الطريق الصحيح، قائلًا: “ليس ثمّة شك في أن هذا التقييم مهم لقياس اهتمام الطالب ومساعدته في فهم احتياجاته والتعرّف على قدراته والمهن التي تناسبه، وأن هذا يقلّل أو يزيل الالتباس الذي يعاني منه كثيرٌ من الطلاب عندما يتعين عليهم اختيار تخصّص أو مسار أكاديمي أو مهني معين.

وفي معرض حديثه عن دور التوجيه الأكاديمي والمهني على مستوى المدارس الثانوية، يوضح البلم أن هذا التوجيه مطلوب لإعداد الطلاب للجامعة وسوق العمل، فيقول: بمجرد أن يلتحق الطالب بالمدرسة الثانوية، فإنه يخضع لبرامج توعية حول فرص التعليم المتاحة لما بعد المرحلة الثانوية، تشمل مختلف التخصّصات والمهن المتاحة، ومتطلبات الجامعة، والمهارات اللازمة؛ لكي يتخذ القرار الصحيح إزاء المهنة أو التخصّص الأنسب له“.

جرى تطبيق نظام الإرشاد المهني في جميع مدارس البنين والبنات الثانوية التابعة لوزارة التعليم والتعليم العالي، وأتيح الوصول إلى هذا النظام أمام 9625 طالبًا وطالبةً بالصف العاشر في 59 مدرسةً. ومن المتوقّع أن يتم عرض النتائج الأولية في العام المقبل عندما يختار الطلاب مسارهم الأكاديمي داخل المدرسة بناءً على الخيارات التي قدّمها لهم هذا النظام. وستتحقّق النتائج طويلة الأجل وتؤتي ثمارها بمجرد تخرّج هؤلاء الطلاب في المدرسة الثانوية واختبارهم في المجالات الأكاديمية التي اختاروها، ومن ثم الالتحاق بمهنة من اختيارهم.

طُور نظام الإرشاد المهني بالتعاون مع مؤسسة كودر، الشركة الرائدة عالميًا في مجال خدمات التخطيط المهني. بيد أن الذي يجعل هذا النظام فريدًا من نوعه هو أنه يوفّر حلًا مصمّمًا وفق الغرض المقصود، مع ملاءمة العوامل الاجتماعية والاقتصادية بدولة قطر ومراعاة متطلبات البيئة التعليمية. ونتيجة لذلك، يتميز نظام الإرشاد المهني بمكونات متنوعة ومبتكرة، علاوةً على أدوات التقييم النفسي والشخصي التي تساعد الطلاب في تحديد المسارات الأكاديمية والمهنية المناسبة والمتوافقة مع الاحتياجات المستقبلية لدولة قطر.

 

 

 

 

الوحدات في نظام الإرشاد المهني الخاص بمركز قطر للتطوير المهني
هناك ستة خطوات رئيسية لعملية تطوير الخطة المهنية، وتنفيذها، وتقييمها.

1.الخطوة
عملية التسجيل التي تمكّنك من الدخول إلى نظام الإرشاد المهني
.


2.الخطوة
مرحلة التقييم الذاتي التي تقدّم اختبارات نفسية تتعلّق باهتماماتك وقيمك.

3.الخطوة
قسم الاستكشاف المهني الذي يوفّر لك خيارات متعددة حول المهن التي تناسبك استنادًا إلى نتائج التقييم النفسي؛ حيث يتم توفير تفاصيل لثلاثة أو أربعة خيارات مهنية، جنبًا إلى جنب مع وصف مفصّل لهذه المهن والمؤهلات المطلوبة لها.

4.الخطوة
قسم البحث التعليمي الذي يزودك بتفاصيل عن أنواع المؤهلات المطلوبة للمهنة التي تناسبك. ويقدّم هذا القسم أيضًا معلومات عن المؤسسات التي توفّر البرامج المطلوبة، وكذلك تفاصيل هذه البرامج والروابط التي توصلك إلى مواقعها، علاوةً على رسوم الدورات ومدتها. ويندرج تحت هذا القسم أيضًا المعلومات المتعلقة بالمنح الدراسية.

5.الخطوة
هذا القسم يتناول إعدادك للعمل، إذ يمكّنك في أثناء تطوير خطة الدراسة من تأهيل نفسك للتوظيف، وذلك من خلال تعلّم كيفية كتابة السير الذاتية، وسبل النجاح في مقابلات العمل، وأماكن فرص العمل، وما إلى ذلك.

6.الخطوة
أخيرًا، يمكنك تطوير محفظة لنفسك على الإنترنت، وتعديلها تدريجيًا في أثناء المضي قدمًا في عملية إيجاد المهنة المناسبة. يتم هنا تسجيل جميع المعلومات وعمليات البحث الخاصة بك وحفظها لتستخدمها عند الحاجة.

 

المهارات الحياتية الإلزامية
يرى العديد من كبار الموظفين بالمدارس أن إدراج المهارات الحياتية كمادة إلزامية في مدارس دولة قطر هو إجراء ضروري ومطلوب، ومن هؤلاء حسن محمد الباكر، مدير مدرسة أحمد بن محمد آل ثاني الثانوية للبنين، الذي يحدثنا هنا عن وجهات نظره بهذا الصدد:

ما رأيك في إدخال المهارات الحياتية كمادة إلزامية في المدارس؟
من خلال إدخال هذه المادة في المدارس، سوف يتعلم الطلاب أنماط التفكير والمهارات العقلية جنبًا إلى جنب مع المهارات الشخصية والأكاديمية. ولاكتساب هذه المهارات، ينبغي للطلاب، علاوةً على منهج المهارات الحياتية الذي طُوّر من أجلهم، أن يشاركوا في الأنشطة التي تُعقد داخل المدرسة وخارجها.

هل جرت أية تحسينات على هذه المادة منذ إدخالها في المناهج المدرسية؟
الحديث عن التحسينات سابق لأوانه؛ فنحن لن نرى نتائج تطبيق هذه المادة قبل مرور عدة سنوات. لكنني أرى بالفعل جوانب تحسّن على مستوى المدارس الحكومية، وأتوقع المزيد منها.

في رأيك، ما بعض التحديات التي ستواجهها المدارس؟
أولًا، نحن بحاجة إلى أشخاص مؤهلين تأهيلًا جيدًا لتدريس هذه المادة. نحتاج إلى أشخاص يعرفون كيف يتعاملون مع هذا المنهج وتطبيقه باحترافية، لأن معلّم هذه المادة ينبغي أن يكون شابًا ومتحمسًا. أرى أيضًا أنه ينبغي تطبيق مادة المهارات الحياتية في جميع المراحل، من الابتدائية إلى الثانوية؛ وألا يقتصر الأمر على مجرد تدريس منهج دراسي، بل ينبغي أيضًا أن نهتم بالتدريب العملي الذي يتضمّن التفاعل النشط بين المعلّم والطالب.

ما القيمة التي ستضيفها هذه المادة إلى المدارس؟
أهم ما في الأمر هو الدور الذي يضطلع به المعلم؛ إذ ينبغي على المعلم أن يكون خير مثال في امتثال هذه القيم أمام الطلاب. فإذا منع المعلّمُ الطالبَ من الغش مثلًا، فمن المتوقع أن يكون المعلم على حذر، بحيث لا تظهر منه أية بادرة يمكن تفسيرها على أنها غش. ويجب أن تظل القوانين والقواعد قابلة للتطبيق على الجميع، حتى نتمكن من توحيد القيم، ليتسنى للطلاب احترام هذه القيم وتطبيقها عندما يتفاعلون مع إدارة المدرسة. لا بد أن تكون إدارة المدرسة مثالًا يُحتذى به في تطبيق هذه القيم.